IMLebanon

أزمة حكم أعمق من الطابع الدستوري

خلال الحملة الانتخابية قال الرئيس سعد الحريري ان اتفاق الطائف لا يخضع للتعديل والتبديل والتفسير والتأويل. وهو يعرف ان الطائف الذي صار دستورا ينص على آلية للتعديل والتفسير وحتى للتجاوز. الآن يمتلئ الطريق الى حكومة ما بعد الانتخابات التي جرى تكليف الحريري تأليفها بأكثر من حاجز لأكثر من جهة بينها حاجز التأويل، وبالتالي السجال حول الصلاحيات الدستورية والاعراف. فالكل يقول انه متمسك باتفاق الطائف، بصرف النظر عن رغبة اكثر من طرف في تعديله، سواء بعملية تجميلية أو بتغيير جذري. ولا احد يجهل ان كلفة الخروج من الطائف لن تكون أقل من كلفة الوصول اليه.

لكن أزمة تأليف الحكومة، ولو انتهت بشكل ما، تبقى تذكيرا بأن الصراع السياسي بابعاده الداخلية والخارجية لا يحجب كوننا في أزمة حكم أعمق من طابعها الدستوري. وهي أزمة كانت ولا تزال منذ الطائف تدار بتسويات هشة من خارج الاحتكام الى الدستور. اذ هي تغلق المخارج الدستورية التي تفتح باب الحلول للازمات في الانظمة الديمقراطية البرلمانية. ونحن عاجزون عن مواجهة ثلاثة تحديات كبيرة، وان كنا قادرين على ايجاد حل لأزمة الحكومة وترتيب مشاريع لتحسين البنية التحتية واصلاح الوضعين المالي والاقتصادي بدعم من المجتمع الدولي. التحدي الأول هو تطبيق الطائف. والثاني هو تعديل الطائف. والثالث هو التكيف مع حال اللاتطبيق واللاتعديل.

ذلك ان ما جرى تطبيقه من بنود الطائف كان بطريقة انتقائية في خدمة اهداف عابرة للبنان لا للطوائف، زادتها الممارسة سلبية وسوءا. وما بقي عصيا على التطبيق هو جوهر الاصلاح السياسي المفترض.

 

فلا مجلس الوزراء صار مركز السلطة بالفعل عبر مشاركة الممثلين الحقيقيين للطوائف والتيارات السياسية. ولا مشروع اللامركزية الادارية الواسعة رأى النور، بصرف النظر عن اعداد مشاريع جدية آخرها في عهد الرئيس ميشال سليمان باشراف الوزير زياد بارود. ولا حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية اكتمل بحيث صارت الدولة محتكرة العنف الشرعي. ولا حدث تشكيل الهيئة الوطنية لدراسة السبل الآيلة الى تجاوز الطائفية وانهاء الطائفية السياسية.

وبدل الانتقال من النظام الطائفي الى الفضاء الوطني والدولة المدنية عبر الباب الذي فتحه الطائف، ذهبنا في الاتجاه المعاكس من حلم تجاوز الطائفية الى كابوس تكريس المذهبية. وبقي تعديل الطائف لتصحيح ما كشفت الممارسة الخطأ فيه مطلبا على اعلى المستويات لم يأخذ طريقه الدستوري العملي. وما نعانيه من ازمات ومشاكل، وبينها ازمة التأليف، محكوم بثنائية العجز عن التطبيق الكامل للطائف، وصعوبة تصحيح التطبيق الانتقائي السيئ.