Site icon IMLebanon

الوضع حَرِج …«كمان شوي ومنِخْلص»

لا يختلف اثنان في هذه المرحلة على ان الوضعين المالي والاقتصادي في وضع حرِج. لكن المفارقة ان من يريد الاصلاح، ويُحمِّل الطبقة السياسية مسؤولية ما وصل اليه البلد، يساهم من حيث يدري أو لا يدري في تسريع الخطى نحو الانهيار الشامل.

الأرقام والمؤشرات التي تصدر تباعا، تؤكد بلا استثناء ان الوضع الاقتصادي يمضي في مسار انحداري بسرعة مُقلقة. صحيح ان هذا الهبوط لم يصل الى القعر بعد، لكن المسافة التي تفصلنا عن الانهيار الشامل لا تبدو بعيدة زمنياً.

اليوم صار معروفا ان نقاط الضعف في الاقتصاد تشمل التالي:

اولا- انهيار سياسي وقلق أمني وأفق مسدود لا يوحي بوجود حلول في المدى المنظور لشلل المؤسسات بدءاً برئاسة الجمهورية (الفراغ) مرورا بالمجلس النيابي (مُغلق قسراً) وصولا الى السلطة التنفيذية (مُعطّلة).

ثانيا – وضع اقليمي مضطرب وغامض ينعكس على كل الاستثمارات والاعمال في لبنان. بالاضافة الى تداعيات الحرب السورية بما فيها أزمة النازحين.

ثالثا – جمود على مستوى القرارات الرسمية، ومنها على سبيل المثال إقرار قوانين الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

رابعا- غياب السياحة الخليجية بشكل شبه كامل.

خامسا – تراجع الاستثمارات الخارجية الى مستويات قياسية غير مسبوقة.

في موازاة هذا الوضع المتراجع منذ العام 2011، وهو مستمر في الهبوط، تبرز نقاط القوة التي يرتكز عليها الاقتصاد للصمود بانتظار الفرج، ويمكن تلخيصها بالتالي:

اولا – موجودات مصرف لبنان والتي تشمل الاحتياطي النقدي والذهبي، والذي بلغ مستويات قياسية.

ثانيا – موجودات المصارف التجارية التي وصلت الى 170 مليار دولار، بما يوازي اكثر من ثلاثة اضعاف حجم الاقتصاد الوطني. (بين 45 و50 مليار دولار).

ثالثا – تحويلات اللبنانيين من الخارج والتي تبلغ حوالي 8 مليارات دولار حاليا، 60 في المئة منها مصدرها دول الخليج العربي.

في قراءة نقاط الضعف، يتبيّن أن بعضها مترابط بحيث ان معالجة نقطة تقود حتما الى حل النقطة الثانية، كما هي الحال مثلا مع الأزمة السياسية التي تؤدي معالجتها الى حلحلة على مستوى عودة السياحة الخليجية، ولاحقا الاستثمارات.

ومن هنا، يمكن القول ان السلطة في لبنان، والتي لا تمتلك القدرة على التأثير في الوضع الاقليمي المضطرب، محكومة بالبقاء في دائرة المراوحة والفراغ، ما دام الداخل انعكاس للعلاقات الاقليمية التي تبدو اليوم سيئة اكثر من اي وقت مضى.

من هنا، تشير الاستنتاجات المنطقية الى ان الوضع باق كما هو، ولا مؤشرات معالجة في الافق تتيح تقليص نقاط الضعف التي تحاصر الوضع الاقتصادي.

في المقابل، لا تبدو نقاط القوة متماسكة بحيث اذا غابت واحدة يمكن الاعتماد على الثانية. الملاحظة الواضحة في هذا الامر، ان موجودات المركزي وموجودات المصارف وتحويلات اللبنانيين تقع كلها في سلة واحدة، وقد تُصاب بالوهن والهبوط دفعة واحدة.

اذ أن موجودات مصرف لبنان هي في النتيجة تعكس موجودات المصارف من خلال الاحتياطي الالزامي الذي يفرضه المركزي. وموجودات المصارف ونمو الودائع ناتج بصورة رئيسية عن تحويلات اللبنانيين في الخارج. وهكذا يتضح ان خارطة نقاط القوة تلتقي كلها عند نقطة تقاطع واحدة ترتبط باستمرار نمو الودائع بنسبة مقبولة، لكي يتم الحفاظ على نقاط القوة الثلاث.

اليوم، اذا أخذنا في الاعتبار ان الحديقة الخلفية للاقتصاد الوطني (الخليج)، ليست في أحسن احوالها، بالنظر الى تراجع المداخيل بأكثر من 50 في المئة بسبب هبوط اسعار النفط، واذا اخذنا في الحسبان ارتفاع الإنفاق بسبب المجهود الحربي المستجد، سنخلُص الى استنتاج مفاده ان حجم تحويلات اللبنانيين سيتراجع يوما بعد يوم.

بالاضافة الى ان بعض الاعمال في الداخل ستتاثر سلباً بالتراجع الذي قد يصيب الاستهلاك في الاسواق الخليجية نتيجة الوضع. كل ذلك يعني ان منظومة القوة التي تحمي الاقتصاد ستصبح مُهددة.

لم يكن ينقص هذا المشهد السوداوي، سوى مشهد الخراب في وسط بيروت تحت عنوان حث السلطة السياسية على الاصلاح! واذا كانت هناك شركات اقليمية وعالمية لا تزال صامدة في وسط العاصمة، فان الحراك العشوائي، واذا ما استمر على ما هو عليه، سوف يتكفّل بتهجير كل المؤسسات، ويقضي على ما تبقى من أمل في الصمود. انها المفارقة المؤلمة، أن تأتي رصاصة الرحمة على يدي من يريد إنقاذ البلد الجريح.