Site icon IMLebanon

دور حاسم للجيش بين مواجهات الشارع والطبقة السياسية

بات واضحاً أنّ الستاتيكو الذي فرَز الواقع اللبناني منذ 22 آب المنصرم، مستمرّ إلى أجل غير مسمىّ، فالشارع ماضٍ في حراكه على رغم كلّ علامات الاستفهام والتعجّب من بعض التصرّفات، فيما تبدو الطبقة السياسية غير مبالية لكلّ الضجيج والإهانات التي تتعرّض لها.

يرسم الحراك المدني خطوطه السياسية العريضة، في وقتٍ يبدو أنّ الضياع وعدم توحيد الأهداف يسيطران عليه، وتتقاذفه مجموعات متنافسة متضاربة الأهداف، بعضها يفكّر في إسقاط النظام، وآخر يهدف الى الإصلاح السياسي عبر المناداة بقانون إنتخاب على أساس النسبية، وآخرون يوجّهون أهدافهم نحو المطالب الحياتية وأبرزُها حلّ أزمة النفايات، أمّا مجموعات أخرى فتعمل على زرع الفوضى وضرب مطالب الناس المحِقّة.

بالتزامن مع كلّ ما يشهده الشارع وإصرار الطبقة السياسية على خلافاتها وعدم الاتّفاق على بند واحد يَسحب فتيل التوتير من الشارع، وانتظارها كلمة السرّ الخارجية، يبقى الواقع اللبناني محكوماً بالانضباط العالي الدرجة، هذا الانضباط ظهَر جَلياً من خلال عدم الاحتكاك بين الشارع المدني والمتحاورين، وحماية القوى الأمنية والجيش المتظاهرين على رغم الاستفزاز الذي مارسوه.

ويظهَر جليّاً أنّ هناك قراراً دولياً بمنع انتقال الفوضى العربية إلى لبنان، على عكس ما كان يحصل في السابق، إذ إنّ لبنان كان أوّل المتأثرين بما يحصل من أحداث تبدأ من المحيط وتصل إلى الخليج. هذا القرار الدولي يتظهّر عبر زيارات الديبلوماسيين ومسؤولي الدول الأوروبية والغربية الى لبنان، وتوجيههم رسائل واضحة جداً مفادُها أنّ «اللعب بأمن لبنان واستقراره خطّ أحمر».

ويترجَم الحرص الدولي على لبنان من خلال الدعم المتزايد للجيش اللبناني، فلو أرادت الدول الكبرى جرّ لبنان الى فوضى المنطقة، لكانت تركته وحيداً في مواجهته مع «داعش» وأخواتها في عرسال ورأس بعلبك، وهذا الأمر أكّده رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون خلال لقائه قائد الجيش العماد جان قهوجي، إذ جدّد كاميرون موقفَ بلاده الداعم للجيش اللبناني من خلال هبات التسليح، خصوصاً أنّ بريطانيا أشرفَت على بناء أبراج مراقبة في رأس بعلبك والبقاع، وجهّزت فوج الحدود البرّية الذي خاض أشرسَ المعارك واسترجعَ نقاطاً مهمّة من الإرهابيين في رأس بعلبك والجوار.

تلقّفَ قهوجي والجيش حراك الشارع منذ اليوم الأوّل، فأعلنَ حمايته المتظاهرين ومطالبَ الناس، والأملاك العامة والخاصّة، وفي ذلك رسالة واضحة بأنّ الجيش لم ولن يكون أداةَ قمعٍ لشعبه، وفي الوقت نفسه سيواجه الفوضى والغوغائية، وبين هذين الحدّين تعمل قيادة الجيش التي لن تدخل الزواريب السياسيّة مصمّمةً على البقاء على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، واستكمال معركة محاربة الإرهاب.

حمى الجيش في 14 آذار 2005 إنتفاضة الشعب اللبناني ضدّ الاحتلال السوري، وفي الوقت نفسه فصَل بعد 1 كانون الأوّل 2006 بين ساحتَي الشهداء ورياض الصلح مانعاً إحتكاكَ المتظاهرين على رغم حدّة الانقسام المذهبي والطائفي آنذاك، وخاضَ حروب البارد وعبرا وعرسال وطرابلس وحسَمها، كلّ هذه الاستحقاقات الكبيرة لم تؤثّر على الاستقرار اللبناني المهتزّ أساساً.

لبنان محكوم منذ نشأته بالتوافق، وبالخضّات أيضاً، فلا تكاد تمرّ مرحلة زمنية لا تتعدّى السنوات العشر، إلّا وتنفجر أزمة أو ثورة أو انتفاضة أو حروب صغيرة وكبيرة، لكنّ الوضع الآن مختلف تماماً عن المراحل السابقة، لأنّ الدول التي كانت تشوّش على الساحة اللبنانية، تلتهي بمشاكلها أو بحروب الدوَل العربية، ولا تعطي أيّ أهمّية للملف اللبناني، سوى ضبط الوضع وعدم الانزلاق الى الفتنة.

وفي حين يؤكّد الحراك المدني استمرارَه في التصعيد، تسعى السلطة السياسية إلى امتصاص غضَب الشارع من دون تنازلها أو تقديمها حلولاً جذرية أو حتى مرحلية، في حين يطالب الجميع برئيس جمهورية إصلاحي يشبه الرئيس فؤاد شهاب ينقِذ مؤسسات الدولة من فسادها، ويتابع معركة مكافحة الإرهاب، لأنّ المرحلة المقبلة تطالب بمحاربة الفساد ومكافحة الإرهاب.