ظل الاستحقاق الرئاسي الذي ما زال في عالم الغيب نتيجة الاختلاف بين القادة الموارنة، الموضوع الأساسي لرسالة بكركي في مناسبة الاحتفالات بعيد الفصح عند الطوائف الغربية، والمقصود بذلك الطائفة المارونية التي ينتمي إليها رئيس الجمهورية بناء على ميثاق 1943 وإنفاذاً لاتفاق الطائف الذي وضع عام 1990 وبعد حروب أهلية دامت خمس عشرة سنة، وقد عكس البطريرك بشارة الراعي والمطارنة، في الخطب التي ألقوها في هذه المناسبة، بعض غضب الطائفة المارونية على نواب الطائفة الذين يتخلّفون عن القيام بواجبهم الوطني في النزول إلى مجلس النواب وتأمين النصاب القانوني لانتخاب رئيس للبلاد بدلاً من التلهي بالبحث عن جنس الرئيس فيما الطائفة المارونية ومعها الوجود المسيحي يحترق أو يتلاشى نحو الاندثار النهائي والسقوط في الهاوية التي يحاول المخلصون تجنّب الوقوع فيها.
الجو العام السائد يدل على أن صرخة القيادات الروحية المارونية كما الصرخة في واد يضيع صداها ولا تصل إلى أذن القيادات المسيحية والنواب الذين يدّعون انتسابهم إلى الطائفة المارونية الكبيرة حتى يلبّوا الدعوة ويرفعوا الحظر عن انتخاب الرئيس الذي هو رئيس الدولة، ولا دولة يمكن أن تعيش من دون رأس، الدولة اللبنانية المركّبة من ثماني عشرة طائفة.
ويقيني أن بكركي وما تمثله على الصعيدين الوطني والطائفي تشعر بخيبة أمل كبيرة جراء تصرف القيادات السياسية واستمرار خلافاتها على تقاسم الجبنة فيما الوجود المسيحي وليس الماروني فقط يتعرض لأخطر مؤامرة عرفها تاريخ الطائفة المارونية منذ قيام دولة لبنان الكبير في العام 1920، وقد ثبت حتى الساعة فشل بكركي في حسم هذه المسألة بحيث أنها اكتفت بتوجيه النداءات إلى النواب للقيام بواجبهم الوطني وانتخاب رئيس البلاد في وقت تملك فيه العديد من أوراق الضغط، ولا تُقدم على استخدامها حرصاً منها على علاقتها الشخصية مع هؤلاء النواب ومع مرجعياتهم التي ما زالت تتخذ من تعطيل الاستحقاق الرئاسي ورقة لإجبار الآخرين على الاستسلام وإرضاء طموحاتها في المركز الأول في البلاد، والذي يشكل العامود الأساسي لاستمرار النظام البرلماني الديمقراطي الذي يتغنّون بوجوده في هذا البلد عن باقي دول الإقليم.
والسؤال الذي يبدو طرحه ملحّاً اليوم هل فقدت بكركي الأمل في انتخاب الرئيس، وضياع الفرصة على المسيحيين حتى تكتفي بتكرار الدعوات إلى النواب للقيام بواجبهم الوطني والكفّ عن لعبة الوقت ريثما يأتي الفرج من الخارج؟ أغلب الظن أن الأمر كذلك وأن بكركي أطلقت بمناسبة الجمعة العظيمة وما بعدها صرختها لعلّ القادة الموارنة يسمعونها، ويسارعوا الى تلبية الدعوة قبل فوت الأوان وخسارة الرئاسة الأولى ومعها الوجود المسيحي في آخر معقل لهم.