زملاء مرهفون في حسّهم المهني والقومي كانوا هم الأسرع التقاطا لرمزية حدث انعقاد القمة العربية في قعر العالم، على اعتبار أن البحر الميت هو أخفض نقطة جغرافية على سطح هذا الكوكب ٤٠٠ متر تحت مستوى سطح البحر! الوجود في القعر هو حالة مرّت بها أمم كثيرة بعد حروب كارثية خاضتها مثل المانيا واليابان. والتحدّي الأعظم هو ارادة مغادرة القعر والصعود من جديد الى السطح. وهذا ما نجحت فيه المانيا ليس فقط في اعادة بناء قوتها وحياتها، وانما أيضا في استعادة وحدتها بعد تقسيمها. كما حققت اليابان قفزة نوعية سياسية واقتصادية وتقنية رفعتها الى مستوى الدول المتقدمة في العالم… ولكن ماذا عن العرب؟
***
العرب اليوم هم في حروب كارثية، وفي حالة هياج في قعر غير مستقر، يزدادون فيه حفرا وسقوطا الى مستويات تزداد عمقا. ولم يصدر عن انعقاد القمة في القعر، ما يشير الى توافر ارادة وقف الحفر والصعود الى السطح. وما كان قبل القمة استمر بعدها، من حروب بين العرب أنفسهم، مغلفة بشعارات الحرب على الارهاب والتدخل الأجنبي! وكان يمكن لهذه القمة أن تحدث تحوّلا تاريخيا لو انها اتخذت قرارا بوقف اطلاق النار الفوري في أرجاء المنطقة العربية كافة، ودعت الى مؤتمر قومي عام تبحث فيه أزمات الأمة، وتضع حلولا لها، وتستعيد الوحدة القومية والتضامن العربي!
***
في موسم الحج الى البيت الأبيض وتوافد الزوار من القيادات العربية لتقديم التهاني والتبريكات للسيد الجديد المقيم فيه الرئيس دونالد ترامب، يخيّم غموض مريب على التوجهات الأميركية في الشرق الأوسط، في ظلّ العهد الأميركي الجديد. وهذا الغموض لا يعكس حالة تردد أو ارتباك للادارة الأميركية – كما هو شائع خطأ – وانما هو غموض مقصود ومتعمّد، والغاية منه جرّ الأنظمة العربية الواحد تلو الآخر، للانخراط في جهد مشترك ثنائي مع أميركا عنوانه العام التعاون البناء في كل الميادين، والتحالف المحدّد والواضح تحت عنوان محاربة الارهاب كهدف معلن. وباطنه قيام واشنطن بربط خيوط كل نظام عربي على حدة معها، ثم سحبها جميعا وراءها، لتنفيذ استراتيجية غير معلنة تعرفها أميركا وحدها، ولن يعلن مضمونها إلاّ بعد وضعها موضع التنفيذ!
***
ما يهدّد المصير العربي اليوم أمران:
سعي أميركا الى اقامة حلف عسكري يضم دول الخليج العربي مجتمعة بقيادة أميركا وتطلق عليه اسم الناتو العربي الخليجي، تحت شعار الوقوف سدّا منيعا في وجه العدو الجديد ايران، ومناهضة ما يسمّى ب سياساتها التوسعية في المنطقة. والخطر المصيري الثاني، قيام أميركا بجرّ الدول العربية مجتمعة الى معاهدة سلام مع اسرائيل، بعد وضع الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني وحدهما الى طاولة مفاوضات، تكون بمثابة وضع الحمل والذئب معا في غرفة واحدة مغلقة الأبواب والنوافذ!
***
ما تريده اسرائيل هو أن يكون عهد ترامب هو نهاية التاريخ بالنسبة لفلسطين والقضية الفلسطينية… ولكن الأمر لا يتوقف على ما تريده اسرائيل وحدها، ولا حتى ما تريد أميركا ترامب. وفي الشرق الأوسط حالة اشتباك تنخرط بها قوى دولية أخرى وعظمى منها روسيا، وقوى اقليمية ليس من السهل تقليم أظافرها وخلع أنيابها. ويبقى على العرب أن يجيبوا عن السؤال الذي سيطرح عليهم أمام شعوبهم: من هنا الى أين؟!