Site icon IMLebanon

ديمقراطية مضروبة بمرضين:  فيتوقراطية وكليبتوقراطية

 

لبنان غني بالنقاش الدستوري، مهما يكن في بؤس سياسي. ومن المهم أن يستمر الحفاظ على تقاليد النقاش في الدستور والاحتكام اليه، سواء في أزمة تأليف الحكومة أو في تشريع القوانين خلال حكومة تصريف أعمال، أو حتى خلال حرب لبنان الطويلة حين انهارت الدولة من دون أن يسقط النظام. فهو من إمارات الاعتزاز بالعقل في أزمنة الجنون والجهل، ومن علامات التمسّك بالديمقراطية وخيار الدولة، ولو سطت عليها الدويلات. ولا يبدّل في الأمر كون أزمة التأليف تضيف الى أبعادها السياسية شيئا من أزمة دستورية، وسط الاجماع في الخطاب على احترام الصلاحيات الدستورية في عملية التأليف. ولا يقلل من ايجابيات النقاش الدستوري أن يبدو كأنه يدور في العالم الافتراضي، لا الواقعي.

ذلك اننا حسب الدستور، في جمهورية ديمقراطية برلمانية. أما عمليا، فاننا في إمارات ضمن جمهورية مضروبة بمرضين متلازمين: فيتوقراطية وكليبتوقراطية. وما يزيد في تحديات ديمقراطيتنا الناقصة هو ثلاثة عوامل. أولها اللامساواة بين الأفراد في نظام طائفي وحتى في تراتبية المذاهب عند تولي المناصب الكبيرة. وثانيها نقص الشرط الذي حدّده أولفييه روا ضمن معادلة: لاديمقراطية من دون وطنية وبالتالي من دون أن يكون المواطن هو المعيار. وثالثها انحدار المستوى الاقتصادي للطبقة الوسطى التي هي عماد الديمقراطية والمهن الحرّة والثقافة والابداع الأدبي والفني.

في هذا الواقع تزداد خطورة الفيتوقراطية، حيث التعددية مجموعة أحاديات مذهبية يملك كل منها حق الفيتو على القرارات في اطار التفسير الضيّق للميثاقية. إذ في المجلس النيابي كما في مجلس الوزراء، فان السلطة الفعلية في أيدي سبعة أمراء بعضهم ليس في البرلمان ولا في الحكومة إلاّ من خلال وزرائه ونوابه، لكنهم يتصرّفون كأن اتخاذ القرار في لبنان مثل اتخاذ القرار في مجلس الأمن الدولي وهم الأعضاء الدائمون في المجلس.

وفي هذا الواقع أيضا لعنة الكليبتوقراطية، حيث الفساد والصفقات والسطو على المال العام. ولا أحد يعرف الى أي مدى يمكن أن تحدث هذه المرة معجزة في محاربة الفساد، وان كانت الأكثرية تتمنى حدوث ذلك. لكن الكل يعرف اننا لم نصل الى ما يجب أن يكون عليه أي نظام في تطبيق المراقبة والمحاسبة. فالفاسدون يزايدون في الدعوة الى محاربة الفساد، وهم يعرفون ان الفاسد يراقب نفسه وان الغطاء الطائفي يحميه. وأبسط دليل على حماية الفساد والجرائم الأفظع هو تكرار الاعلان عن رفع الغطاء السياسي عن المرتكبين من دون أن يتبدّل شيء.

وما أحوجنا الى نقاش في الديمقراطية، ونحن نهلل للنقاش في الدستور.