Site icon IMLebanon

صفّا واحداً داخل الحدود في وجه المخاطر الداعشية

هل يمكن الإستدلال من مأساة «القاع» أننا بدأنا الغوص الجدي إلى قاع المجهول؟

هل يعني إصرار الإنتحاريين التكفيريين على هذه الشراسة في العدوان والإقتحام بثمانية أعمال انتحارية في مدة لا تتجاوز ال 24 ساعة مخصصين لهذا « الاجتياح » الشرس. ما لا يقل عن ثمانية انتحاريين قضوا جميعا في قاع قرية «القاع»، فكادت المأساة المشغول لها من قبل هؤلاء أن تتضاعف عواقبها وخسائرها بين أبناء البلدة الصامدة والمتمترسة في جذور أرضها، إلاّ أن العناية الإلهية وقفت بالمأساة عند هذه الحدود، وتركت بين الناس قلقا وتحسبا ليس في «القاع» وحدها، بل في لبنان كلّه، وبات واضحا أن الإرهابيين قد حوّلوا اهتمامهم وفعلهم الهمجي إلى الوجهة اللبنانية بعد أن باتت تضيق بهم السبل في كل من سوريا والعراق، وبعد أن باتوا يحملون إلى العلن أكثر من وجهة وأكثر من مخطط، ولبنان المستهدف على حاله من تراجع وانحطاط وانقسام، الأمر الذي يشكل لهؤلاء المقتحمين فرصة سانحة تفتح الشهية أمام مزيد من الأطماع والأهداف التوسعية والإنتقامية الرّامية في بعض وجوهها المعروفة إلى وصول « الداعشية « إلى منفذ محدّد على شاطىء البحر الأبيض المتوسط فضلا عن محاولة التفلت من الضغوطات العسكرية التي تواجههم في كل من سوريا والعراق.

و في هذا المجال لا بد من التنويه بدور القوى الأمنية المختلفة وفي طليعتها الجيش اللبناني على الجهود المستبسلة التي تقوم بها لحماية الحدود اللبنانية وكان موقف أهالي القاع البواسل، نموذجا لما يقتضي أن يكون عليه موقف المواطنين اللبنانيين المتجذرين في أرضهم والمحافظين عليه بكل قطرة من دمائهم وكل روح من أرواح أبنائهم.

ولئن كان هذا الأمر يمثل واجبا على كل لبناني للوقوف معهم في خندق واحد، فإننا نأسف لما هو عليه واقع الحال في غياب الوعي العام عن الأخطار الجسيمة التي تواجه الوطن، بينما جزء من قواه الشعبية، تركت الوطن إلى أوطان بعيدة تقاتل فيها قتالا شرسا لمصلحة لا علاقة بها للبنان ولا بأهله ومواطنيه، بل هي تجاهر بأنها تقاتل ضمن الإطار والتوجه والتوجيه الإيراني، وبتمويل كامل من السلطات الإيرانية سواء كانت متمثلة بالدولة الإيرانية أم بالحرس الثوري أو بأيديولوجية ولاية الفقيه، متكبدة في الوقت نفسه مئات الضحايا من أبناء هذا الوطن وبينهم نخب نخسرها جميعا قبل أن تخسرها أسرهم وأقرباؤهم، الأمر الذي بات يطاول كثيرا من المكوّنات التي تتلقى عواقب المطامح الإيرانية التوسعية حيث بدا ذلك واضحا في كل من السعودية واليمن والبحرين والعراق وسوريا ولبنان، و»البقية تأتي»، ويجيء الإقرار الأخير على أعلى المستويات بأن الحزب يتلقى تمويله الكامل الشامل بكل تفاصيله وسلاحه وأكله وشربه من إيران، الأمر الذي يجعل لبنان مسألة ثانوية في أذهان وتصرفات وممارسات البعض الخارجة على الدولة وعلى الميثاق وعلى الدستور والقانون، ويؤكد على أنها دويلة تسعى إلى الانفلاش والإنخراط في حروب وأهداف ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تتناغم إطلاقا مع ميثاقيات هذا البلد واعتباره مؤلفاً من مكونات متعددة الإتجاهات، أجمعت عند نشأته على جملة من المبادىء والمواثيق فإذا بما هو حاصل في هذه الأيام ينسفها جميعا، ويستجلب إلى لبنان كل غضب الجوار ومآخذه ورفضه لما هو قائم، ولا نعني بذلك أولئك التكفيريين الذين لا حدود لهم ولا روادع تمنعهم من ارتكاب المجازر بأبشع صورها المسيئة لهذه البلاد ومبادئها وسماحة معتقداتها، بل نعني ما تخلّفه هذه الممارسات المتجاوزة للحدود وللوطن ولكل المواثيق اللبنانية، ومعتمدة على لغة الفرض المسلح وما تؤدي إليه من شروخ عميقة، سواء على المستوى المحلّي أم على مستوى المنطقة والعالمين العربي والإسلامي.

رغم كل هذه التناقضات، وبالرغم من أنه مكتوب على هذه الدولة المنكوبة أن تتلاشى السلطة فيها بقدرة السلاح الفارض لتذوب في أقنية مصطنعة، وليصب سيلانها في بُرك مفبركة لمصلحة قوى الأمر الواقع، وتجاه الأخطار المدلهمة التي تعصف بالوطن وتهز أساس معالمه ووجوده، ندعو إلى وقفة وعي وصحوة ضمير، ووضع للمصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، حيث لا يجوز لأي سبب من الأسباب، الإبقاء على الأوضاع القائمة حيث هي، دولة بلا رئيس جمهورية ولا رأس يلمّ ويحتوي ويعالج شؤون البلاد بكل تعقيداتها، ندعو وفورا وكائنا ما كانت الإعتبارات المانعة إلى إجراء الإنتخابات الرئاسية دون اللجوء إلى الأساليب الفارضة، ومن خلال العودة السريعة إلى الأصول الديمقراطية السليمة، التي من خلالها وحدها تتهيأ وسائل الخروج من هذه الأنفاق المظلمة التي وُضِعَ الوطن في إطاراتها الطاغية.

ورغم الاندفاع والإصرار الشعبي نحو تحقيق هذا المطلب الملّح، إلاّ أننا نشهد مرحلة انكفاء وتملّص من مستلزمات الوطن والمواطنية السليمة، لدى الجهات المتحكّمة رافضة أي مسلك قد يؤدي في القريب العاجل إلى إجراء الإنتخابات الرئاسية لأكثر من غاية وأكثر من سبب وفي الطليعة، انتظار الرأي والتعليمات الإيرانية، وقفة لا بد منها في هذا المجال نشير فيها إلى اللبنانيين المسيحيين، وإلى أنهم حالوا تكرارا دون سقوط لبنان السيد الحر المستقل، وأن غالبية المسلمين قد جارتهم مع الوقت في هذا التوجه حتى لوصلت إلى ممارسات وشعارات جعلت منهم في طليعة المتشبثين بلبنان الحر السيد المستقل وفي طليعة رافعي حملة الشعارات المعبرة وفي طليعتها الشعار المرفوع حاليا وبشمولية إسلامية واسعة وحماس شديد: «لبنان أولاً» ، ويجيء هذا الكلام في معرض التصريحات التي يتماشى فيها التيار الوطني الحر مع حامي حماه و»المتمسك» بترئيس الجنرال عون على البلاد والعباد إنطلاقا من مبدأ يستقي فيه كل من الآخر، مصالحه التي يقايض ويبادل فيها مع مصالح حليفه، حتى إذا ما جدّ الجدّ، وجدنا كلّا منهم في موقع يتلطى فيه خلف وعوده وعهوده، لتصبح رئاسة الجنرال في مهب رياح عاتية، لعلّ أقسى ما فيها على هذا الحلف الثنائي أن أحد طرفيه الطائل والقادر، لا يرغب في الحقيقة بإيصال الجنرال إلى سدة الرئاسة (لا هو ولا أي رئيس آخر حتى ولو كان من أقرب المقربين)، متحسبا كل التحسب بصدد ترئيس أحد، كائنا ما كانت درجة التصاقه به، والتصريح الاخير قد جاء ليثبت للمرّة الألف حقيقة ما هو حاصل بالصدد الرئاسي بعد أن أقر بأن كل قدرات أصحابه وأموالهم ومصاريفهم المختلفة بما فيه أكلهم وشربهم إنما تتكفل بها إيران، إن الغريب العجيب أن هذا التصريح لم يهّز جفنا ولا شفةً للجنرال عون الذي سبق أن كان في الماضي القريب – البعيد، داعية متطرفا للمناداة بلبنان الحر السيد المستقل، وها هي الحرية والسيادة الإستقلال تقفز بالحليفين معا إلى خارج الحدود، أحدهما بالخروج إلى ما بعد الحدود اللبناني وما وراء هذه الحدود، من حدود وحدود، للقتال ضمن العباءة الإيرانية، وثانيهما بالدعم المعنوي والسكوت على ما يقتضي إلاّ يُسكت عليه من قبل كل لبناني يهمه أن يكون هذا البلد وأن يبقى ويستمر سيدا حرّا مستقلا.

نذكر كل ذلك لأن الوطن الآن، يحتاج إلى وطنية وميثاقية أصفى وأنقى وأسلم لدى الجميع، والمطلوب قبل أي مطلوب آخر، عودة الجميع من خارج الحدود إلى الداخل اللبناني، لنكون جميعا صفا واحدا متلاحما في وجه المخاطر الداعشية، وذلك كله صالح للأداء عند الحدود وداخل الحدود.