IMLebanon

حرب أو لا حرب.. لم تعد تلك المسألة!

 

 

 

حبس اللبنانيون أنفاسهم أواخر الأسبوع الماضي، بعد التصعيد الميداني والكلامي المتبادل بين حزب الله والعدو الإسرائيلي، والذي بلغ ذروته بإعلان المصادر العسكرية في تل أبيب عن إنهاء إستعداد الجيش لغزو لبنان خلال ٤٨ ساعة.

وترافقت أجواء التوتر مع «رشقات» من الحرب النفسية بين الطرفين، حيث إستغلت المطابخ الإسرائيلية مناسبة مغادرة عدد من السفراء الأوروبيين، ألمانيا والنمسا وإسبانيا وفرنسا بالذات، في إيجازاتهم السنوية، والإيحاء بأن ذهابهم إلى بلادهم هرباً من الحرب الوشيكة الوقوع، وبما يعني التخلي عن دعم لبنان! ثم جاء بيان الخارجية الكويتية الذي دعا مواطنيها إلى مغادرة لبنان فوراً، وتسيير رحلات إضافية للخطوط الكويتية لتأمين العودة السريعة للكويتيين الذين يمضون إجازاتهم في الربوع اللبنانية، ليضفي المزيد من الإثارة والقلق على المشهد المتوتر على الحدود الجنوبية.

 

لم يتأخر رد حزب الله على الحملة الإسرائيلية، وكان أكثر حنكة، وأجدى تأثيراً، خاصة على مواقع القرار في تل أبيب. حيث بادر إلى الكشف عن الفيديو الثاني من سلسلة مهمات «الهدهد»، المسيَّرة التي تمكنت من مسح الكثير من المواقع العسكرية والإستراتيجية والحيوية، فوق العديد من المناطق المحتلة، وصولا إلى مفاعل ديمونا النووي، مع إبراز الإحداثيات التقنية لكل موقع، الأمر الذي أثار عاصفة من الذعر في الأوساط المدنية، وموجة جديدة من القلق في أوساط النخب العسكرية والسياسية في تل أبيب.

 

قبل ساعات من نشر هذا الفيديو، كانت تل أبيب تُسرّب معلومات صحفية بأن الجيش أصبح جاهزاً للقيام بعملية عسكرية واسعة في الجنوب اللبناني. ولكن الأجواء إنقلبت رأساً على عقب بعد الفيديو، حيث أعلنت قيادة الأركان أن لا صحة لما تردد عن قيام الجيش بعملية واسعة ضد لبنان.

هذه التطورات الميدانية المتسارعة، والمتزامنة مع الإتصالات والضغوط التي تمارسها واشنطن على تل أبيب وطهران لعدم الإنزلاق إلى حرب شاملة، وضعت الكلام عن حتمية وقوع المواجهة الحاسمة على الرف، ولكنها لم تنفِ إحتمال وقوعها في حال إستمرت الحرب في غزة، وعاد الوضع العسكري على الحدود الجنوبية إلى التدحرج من جديد.

ثمة عوامل مستجدة تجعل من قرار الحرب الإسرائيلي أسير معطيات لا يمكن تجاهلها، حتى وإن حاول نتانياهو وفريقه اليميني المتطرف الهروب إلى الإمام، بفتح جبهة لبنان، بعد فشل حرب غزة في تحقيق أهدافها. وأبرز تلك العوامل:

١ـ الأخذ بعين الإعتبار نوعية الأسلحة المدمّرة، من صواريخ ومسيَّرات لدى الحزب، وإمكانية حصول خسائر في الأرواح والممتلكات في الجانب الإسرائيلي بشكل غير مسبوق في الحروب الماضية.

وتُفيد أكثر التقارير الإسرائيلية تفاؤلاً أنه في حال نشوب حرب مع لبنان، من المتوقع سقوط بين ٣٠٠٠ و ٦٠٠٠ قتيل بين المدنيين فقط، إلى جانب خسائر فادحة في صفوف العسكريين في الأسبوعين الأوّلين للحرب، وريثما يكون الطيران الإسرائيلي قد تمكن من ضرب مواقع إطلاق الصواريخ والمسيَّرات، ..إذا إستطاع إلى ذلك سبيلاً.

٢ـ تزايد المخاطر المحدقة في المواقع العسكرية الإستراتيجية، من قواعد ومقرات قيادات رئيسية، من القاعدة البحرية في حيفا إلى مفاعل ديمونا، إلى جانب تعرض الخدمات الحيوية، من محطات الكهرباء وخزانات النفط والغاز، والمطارات والموانئ، التي تضمنها بنك الأهداف الذي تم مسح مواقعها وإحداثياتها بمسيَّرة الهدهد. خاصة وأن الحزب أعلن أن الحرب ستكون على قاعدة «العين بالعين والسن بالسن»، بمعنى تضربون مطار بيروت نضرب مطار بن غوريون، تقصفون محطة كهرباء نقصف مثلها عندكم، وهكذا دواليك، كما أكد السيد حسن نصرالله، في خطابه الأخير.

٣ـ تفاقم الإنقسام السياسي والعسكري في الداخل الإسرائيلي، فضلاً عن الخلافات بين رئيس الحكومة والقادة العسكريين والأمنيين، حول إخفاقات حرب غزة، ومناورات تعثُّر مفاوضات الصفقة لوقف النار وإطلاق الرهائن. والتراشق المستمر بتهم التقصير والتردد، التي ظهرت في مواقع القرار منذ ٧ تشرين الأول / أكتوبر العام الماضي. وإذا أضفنا إنسحاب هذه الإنقسامات على الشارع الإسرائيلي، عبر التظاهرات اليومية المطالبة بإنهاء حرب غزة وإبرام صفقة إطلاق الرهائن، تبدو بوضوح أكثر أبعاد حالة التفكك التي تضرب التركيبة الداخلية للدولة العبرية. خاصة بعد فقدان الثقة بقدرة الجيش على تأمين الدفاع عن المواطنين، وعجز الدولة عن توفير الأجواء الأمنية المناسبة لعودة المستوطنين المهجرين إلى بيوتهم في الشمال والجنوب.

٤ـ تزايد حدة الخلافات بين واشنطن وتل أبيب، والتي إتخذت طابعاً شخصياً بين بايدن ونتانياهو ، ووصلت إلى حد تبادل الإتهامات المباشرة بمحاولة الثاني إسقاط الأول في الإنتخابات الرئاسية، وسعي الرئيس الأميركي لممارسة أقصى الضغوط على رئيس الحكومة الاسرائيلية لوقف النار في غزة، وعدم فتح جبهة الشمال مع لبنان.

وزيارة وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت الى واشنطن، وهي الثانية خلال أقل من ثلاثة أشهر، للبحث في تطورات الحرب ومسائل الأسلحة والذخائر، تؤكد مدى الحاجة الإسرائيلية إلى الدعم الأميركي، السياسي والديبلوماسي والعسكري، للبقاء على خريطة الوجود المصيري. وإعترف العديد من الخبراء العسكريين الإسرائيليين بأن دولتهم غير قادرة لوحدها للتصدي للمخاطر التي تحيط بها، وأنه لا بد من المساعدة العسكرية الأميركية المباشرة في حال تدخلت إيران في الحرب ضد حزب الله.

حرب أو لا حرب،.. لم تعد تلك المسألة.

إنما ما هي قدرة الكيان الصهيوني على تحمل تداعيات حرب مدمرة مع لبنان؟