رأت أوساط ديبلوماسية في بيروت، أن الساحة الداخلية تجاوزت «قطوع» القمة العربية الإقتصادية، ولكن من دون أن يعني ذلك أن التصعيد السياسي الداخلي يتّجه إلى التراجع، وذلك على الرغم من تحويل الأنظار عن الإشتباك السياسي حول القمة التنموية إلى الملف الأمني، وتحديداً الوضع على الحدود الجنوبية، في ضوء زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية دايفيد هيل إلى بيروت في الساعات الماضية. وبينما تلاحظ هذه الأوساط أن ارتفاع وتيرة الإشتباك الداخلي حول أكثر من عنوان سياسي واقتصادي، وصولاً إلى ارتدادات مواقف الديبلوماسي الأميركي لدى لقاءاته مع القيادات اللبنانية، لن يتأثّر بطي صفحة الخلاف حول دعوة ليبيا إلى لبنان، حذّرت الاوساط من أن مستوى الخطر قد تخطى الخطوط الحمر التي بقيت صامدة طيلة السنوات الماضية، وكشفت في هذا المجال، عن خشية متنامية من الخطوات الإسرائيلية العدوانية تجاه لبنان، موضحة أن هذه الخطوات تأتي في مسار تحضيري لاستحقاقات إسرائيلية داخلية في الربيع المقبل، مع ما يعنيه ذلك من احتمال توظيف الحكومة الإسرائيلية لأي عدوان على لبنان في الحملات الإنتخابية داخل إسرائيل.
وأكدت الأوساط نفسها، أن انسداد الأفق الحكومي، من شأنه أن يؤدي إلى عواقب شديدة السلبية فيما لو نفذّت إسرائيل أي عدوان في لحظة ينقسم فيها الأطراف الداخلية في محاور إقليمية، وذلك، في مشهد بدأ يستحضر بقوة مشاهد قديمة ظنّ الجميع أنها قد ذهبت إلى غير عودة. وفي هذا الإطار، نبّهت الأوساط ذاتها، من ارتدادات تحوّل في المواقف الدولية والعربية إزاء الوضع على الساحة السورية، وبالتالي، انعكاس هذا التغيير في الأجندة الغربية، وتحديداً الأميركية تجاه سوريا وقضايا المنطقة، والتي قد تكون من أولى نتائجها، اهتزاز المظلّة الدولية الداعمة للإستقرار في لبنان على الصعيدين الأمني والإقتصادي. ونقلت هذه الأوساط، معلومات غربية تفيد بأن الساحة اللبنانية قد باتت أمام منعطف صعب، تواجه خلاله مأزقاّ مالياً في الدرجة الأولى، وسياسياً في الدرجة الثانية بسبب الإنقسام الواضح ما بين القوى الرئيسية على الساحة الداخلية، والذي يترجم باستمرار تجاذبات حادة عند كل استحقاق دستوري، كما هي الحال اليوم بالنسبة لعنوان تشكيل الحكومة الجديدة، إذ أنه، وبعد ثمانية أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة، برزت أكثر من قطبة مخفية ربطت عملية التشكيل بأولويات المنطقة، وخصوصاً التسوية السورية.
وكشفت الأوساط الديبلوماسية، عن مرحلة صعبة تنتظر لبنان والمنطقة على حدّ سواء، وذلك بعدما انعدمت مؤشّرات التسوية في أي ملف إقليمي، وليس فقط الملف السوري، ولذا، فهي وجدت أن عودة التهدئة إلى الخطاب اللبناني الداخلي هي خطوة إلزامية كي لا ينزلق الوضع العام بقوة نحو مصير مجهول لن يكون الشارع بمعزل عنه، وذلك، إذا اختارت القيادات المحلية الإحتكام إليه من أجل الضغط لتحقيق أهداف استراتيجية، مما يؤدي إلى انهيار معادلة النأي بالنفس عن النار الإقليمية، وذلك، بصرف النظر عن ضعف وهشاشة هذه المعادلة خلال السنوات الماضية.