IMLebanon

مرحلة إقليمية شائكة تقتضي إطاراً لبنانياً من التحسب حيالها

 

يدور المسار التفاوضي المتعلّق بإيجاد حلّ سياسي للكارثة السورية في حلقة مفرغة، منذ سنوات عديدة: لا التفاوض على الاطار الانتقالي أقلع في يوم من الايام، ولا التفاوض على المخارج النهائية.

 

هذا، اذا قابلنا المسار بذاك الذي سلكته المسارات التفاوضية المتعلقة بالتسوية العربية ـ الاسرائيلية، بالذات تلك التي تعني في المقام الاول الفلسطينيين. مع فارق، ان المفاوضات على هذا الصعيد عرفت في لحظة من لحظاتها، تفاهماً، ملتبساً ومحشواً بالقنابل الموقوتة، بلا ادنى شك، انما تفاهم، بل مجموعة تفاهمات على الاوضاع الانتقالية، ليكون الاصطدام، منذ خريف عام الفين، الى اليوم، كلما جرى الاقتراب بأي طريقة من الطرق نحو القضايا، المؤجلة عند ابرام التفهمات الانتقالية، نحو ما عرف بمفاوضات الوضع النهائي.

 

بلدنا موجود اذا في منطقة من العالم تجمعه بتجربتين مُرّتين من الفشل الديبلوماسي الذريع، احدهما لا يفلح في الاوضاع الانتقالية ولا في الاوضاع النهائية، ويفتح فيه، دولياً، باب المزاد، على “الابتذال الواقعي”، المتمثل بالتقاط تصريحات لكبار المسؤولين عبر العالم، من شأنه “تمرين” النفس على بقاء بشار الاسد، اي بقاء نظام من الاحتضار الدموي، بلا روح. والثاني، قامت فيه الادارة الاميركية قبل ثمانية عشر عاماً، وحتى عندما كان في البيت الابيض آخر رئيس اميركي “عليه القيمة”، بيل كلينتون، بالموافقة على موقف اسرائيلي يعتبر ان ياسر عرفات لم يعد شريكاً في عملية السلام، لتكون النتيجة، بعد كلينتون، وبعد عرفات، انهياراً شاملاً للمسار، وصولاً الى اللحظة التي اعلن فيها دونالد ترامب نقل السفارة، والاقرار بالقدس عاصمة لاسرائيل، ثم تركيب مناخ اسرائيلي ـ اميركي مشترك اليوم، بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ابو مازن، حاله كحال ياسر عرفات قبل ثمانية عشر عاماً، لم يعد شريكاً مقبولاً لعملية سلام.

 

تعطل المسار التفاوضي في سوريا، ووصول الوضع في الضفة الغربية الى حيث يكثر فيه الحديث حول نهاية مرحلة اسّس لها اتفاق اوسلو: هذا يفترض متابعة لبنانية حثيثة على الجانبين، لا سيما وأن مسارات التهدئة الداخلية لم تفض بعد الى الاتفاق على حد ادنى من الاطار اللبناني للتعامل مع المسألة السورية، ولا يزال تدخل “حزب الله” في سوريا احد موضوعات الخلاف الاساسية بين اللبنانيين. مثلما ان الاستهداف الاسرائيلي المتواصل لاهداف في سوريا، قسم منها موجه ضد “حزب الله” بالتحديد، ومن خلال اغارات جوية تخرق الاجواء اللبنانية، هو مسار لا يمكن للحظة واحدة الاستكانة الى طابعه “المحصور” المخادع، ويمكنه في اي لحظة ان يفتح الوضع على مواجهة شاملة، هذا اذا اشتعلت اللحظة بدوافع وأسباب اخرى.

 

فالمرحلة، لبنانياً، من الآن حتى الانتخابات النيابية، هي ايضاً مرحلة تقتضي رفع مستوى التأهب من ارتدادت استمرار التعثر في المسار التفاوضي السوري، ومن احتمال الانهيار الشامل للوضع الذي اسس له اتفاق اوسلو في الضفة الغربية، فضلاً عن مسار الحرب الاسرائيلية الجوية المتقطعة، انما المتتابعة، على اهداف مختلفة، في الاراضي السورية.

 

لا يعني هذا ان حرباً مفتوحة او شاملة هي امر حتمي، او هي مسألة أشهر، لكن شبحها يخيم بالفعل، ويمكنه ان يخيم على نحو مقلق اكثر للمراقبين وللعيان في هذه المرحلة. وهذا يعني، ان التهدئة النسبية الداخلية، تبقى امام وجوب الاختيار، إما التقدم الى الامام، اي نحو صياغة اتفاق اطار داخلي حول كيفية مواجهة المرحلة الاقليمية الحالية، معاً، انما على قاعدة زيادة حضور مرجعية الدولة، وتخفيض معدل انعدام التوازن بين الفرقاء اللبنانيين، وإما عدم التمكن من ذلك، وهو ما سوف يعني، بشكل او بآخر، تدهوراً في مكان ما. التقدم الى الامام، نحو صياغة اتفاق اطار داخلي يقظ ومتحسب للمسارات الاقليمية المحيطة بنا، يستدعي جرأة من الجميع، قد تكون من النوع المجازف في مرحلة محكومة بالحسابات الانتخابية. لكن، ان لم يكن الاستحقاق هو استفتاء على اعادة صياغة تماسك داخلي وديبلوماسي لبناني، لا يكتفي بالتهدئة الحالية، ويخفض في نفس الوقت سمات اللاتوازن في الوضع الحالي، فعلى ماذا سيكون الاستحقاق؟