IMLebanon

قراءة ديبلوماسية لمجريات الأوضاع عربيا ولبنانيا؟!  

كانت »القعدة« مع سعادة السفير بالغة الأهمية والدلالة على ما آلت اليه أوضاع العالم العربي.. وهو سفير دولة تعتبر الأكبر والأقوى والمليئة بالتراث الحضاري التاريخي والعربي وكان لها على مدى عقود، في الصراع المصيري مع الكيان الاسرائيلي، الى ان كانت »الاتفاقيات المشؤومة« التي كانت بداية مرحلة جديدة أدت في جملة ما أدت اليه الى انفصام هذه »الجبهة العربية الواحدة والموحدة ووقوع العالم العربي في أزمات بالغة الخطورة«..

لا يتردد سعادة السفير الشاب عن ابداء »القلق الجاد والحقيقي من ان تتجه الأمور الى ما هو أبعد مما تشهده الساحات العربية، وتحديداً في المشرق العربي (العراق وسوريا) وما يمكن ان تتركه التطورات من تداعيات على الوضع في لبنان، الذي يستحق كل الدعم والمؤازرة من أجل تجاوز هذه المرحلة..« وقد رحب من صميم قلبه بالتوافق الذي حصل، أولاً على ملء الشغور في سدة رئاسة الجمهورية، كما رحب بالتوافق على انجاز قانون جديد للانتخابات يحول دون وقوع لبنان في مطب الفراغ النيابي البالغ الخطورة على سائر المؤسسات وعلى الشعب اللبناني..«.

يقرأ سعادة السفير الأمور من أيام الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، وابتعاد مصر عن دورها العربي التاريخي الريادي المعروف والمقرّبه.. الأمر الذي أفسح في المجال أمام ولادة »محورية اقليمية« من ثنائيين ايران وتركيا، وتوغلهما بعيداً في صلب الأمور الداخلية للعديد من الدول العربية.. حيث لم يعد خافياً على أحد الأهداف الحقيقية لهاتين الدولتين في المنطقة، في استعادة »الامبراطورية الفارسية« و»الامبراطورية العثمانية«.

استندت ايران الى جملة اعتبارات وتمددت في الداخل العراقي بعد الاحتلال العسكري الاميركي المباشر، وتفكيك الجيش العراقي الذي يعتبر سادس أقوى جيش تقليدي في العالم.. وقد تمادت ايران في خروقاتها، وهي تتطلع الى اقامة كيانها الممتد حتى البحر المتوسط، عبر العراق وسوريا ولبنان..

ومع ما يسمى بـ»الربيع العربي«، لم تكن مصر بعيدة عن تداعياته حيث وصل »الاخوان المسلمون« الى السلطة، ولم يمضِ وقت حتى هب المصريون وأسقطوا هذا النظام وتم انتخاب الجنرال عبد الفتاح السيسي رئيساً، لتبدأ معه مرحلة العودة الى دور مصر التاريخي، وان بشيء من التروي العقلاني.. على رغم الغضب الكبير الذي أصاب القيادة التركية المتحالفة مع »الاخوان«.

بدأت مصر تعيد الاعتبار لدورها العربي، ابتداء من شمال افريقيا الى دول الخليج، وبالتحديد المملكة العربية السعودية، حيث كانت »المصالحة التاريخية الكبرى« في تسوية مسألة الجزر المختلف عليها.. وفي الوقت عينه لم تغب عن »دور تصالحي« في الأزمة السورية، وهي استضافت على أرضها العديد من اللقاءات لأركان »المعارضة السورية« المتعددي الولاءات.

حاولت القاهرة المستحيل، لكن المشكلة كانت في ان هذه المعارضة، على اختلاف أركانها وتنوع قراءاتهم للأزمة والحلول، لاسيما عناد »جماعات الاخوان« والمحسوبين عليهم، عطل العديد من الفرص.. وعلى رغم ان القاهرة لم تجر اتصالات رسمية ومباشرة مع النظام في سوريا.. لكنها كانت تدرك ان التدخلات الخارجية، وتحديداً الايرانية والتركية وسائر من يدعم الجماعات المسلحة، لن تنصاع الى مشاريع الحلول المطروحة، حيث كل فريق، وتحديداً »الاخوان« كانوا يصرون على مشروعهم، غير عابئين بسائر المعارضين، الذين كانوا بدورهم غير متفقين سوى على مبدأ اسقاط النظام و..

يرى سعادة السفير ان الأمور تزداد تعقيداً على رغم الخسائر المتراكمة التي تتعرض لها »داعش المعروفة الاصل والفصل« وهي المنظمة التي حظيت برعاية ودعم من دول عديدة، عربية وغربية اضافة الى تركيا.. وكنا على الدوام نحذر من مخاطر اللجوء الى المنظمات ذات الطابع الديني المتطرف، كما كنا نرى، ولانزال نرى فيها خطراً على حاضر العالمين العربي والاسلامي ومستقبلهما.

لا ينكر سعادته ان الصراع في المنطقة هو صراع دولي واقليمي بالدرجة الأولى، هو صراع مصالح أولاً وقبل كل شيء.. وقد أفضى الى جملة تداعيات بالغة الخطورة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، تفكيك دول المنطقة، ودفع قضية العربي المركزية الأولى (قضية فلسطين) الى الوراء، بعيداً عن أي متابعة واهتمام يذكر، الزمر الذي عزز امساك »إسرائيل« بالعديد من المفاصل وأدارت الظهر لكل القرارات الدولية، وتحديداً منها مبدأ الدولتين، وذلك بالتقاطع مع التراجع الخطير في دور »جامعة الدول العربية« التي باتت اسماً على الورق، لا أكثر، ولم تعد »جامعة«..

لم يكن لبنان بعيداً عن هذه »القعدة«، وهو الذي يعيش سلسلة أزمات مترابطة، لا يمكن عزلها عما يجري في المحيط الاقليمي، خصوصاً وأن أفرقاء لبنانيين، بارزين ومؤثرين، باتوا جزءاً لا يتجزأ من المحورية الاقليمية.. ومن دون الدخول في التفاصيل فإن حل أزمة النزوح السوري التي ترمي بثقلها على لبنان، لا بد لها من حل جذري وهو لا يكون من دون حل سياسي للصراع في سوريا.. »فلبنان ُفي قلبنا وهو درة أعيننا.. وكل ما نأمله ونتطلع اليه ان يتجاوز قطوع أزماته ويتمكن من اجراء الانتخابات النيابية في أقرب وقت ممكن لتستعيد الدولة ثقة المواطنين ويعود هذا البلد للقيام بدوره التاريخي ويبقى محجة سائر العرب من أقصى المحيط الى أقصى الخليج الى الداخل«؟!