تقنيّا، تصنيع السلاح الفرنسي لصالح الجيش اللبناني مستمرّ في مصانع الأسلحة المعتمدة، وديبلوماسيا فإنه لا خيار للسعودية إلا إعادة إنعاش معاهدة الـ3 مليارات دولار لصالح لبنان «لأنه على المدى الطويل فإن إيران ستحلّ مكانها في تزويد الجيش والقوى الأمنية بما يحتاجونه، ولا يمكن للمملكة أن تقبل بذلك»، كما قال لـ «السفير» ديبلوماسي أوروبي رفيع يتابع الملفّ اللبناني عن كثب.
ويشير الديبلوماسي المعني إلى أنّ «الغضب السعودي ضدّ لبنان ليس مفيدا للرياض على المدى الطويل، من هنا ترك المسؤولون السعوديون أبوابا مفتوحة واضعين شروطا لاصلاح العلاقات»ـ ويشير الديبلوماسي الى أنّ «إلغاء هبة الـ3 مليارات دولار لا يصبّ البتّة في صالح الجيش اللبناني، لأنّ الأسلحة التي ستصنّع هي جديدة وحديثة الطراز على عكس السلاح الأميركي الذي يتلقاه وهو بمجمله سلاح قديم».
ولفت الديبلوماسي الى أنه «من المستبعد تحويل الأسلحة الى اليمن لأن الحملة هناك جوية في حين أن السلاح الخاص بالجيش اللبناني برّي بمعظمه، ولا مجال أيضا لتحويله الى السودان لمعطيات دولية معقدة».
تصنيع السلاح مستمر لكن، ماذا يقول القانون الدولي في هذا الخصوص؟
تقنيا فإنّ المعاهدة مستمرة، إلا إذا تمّ الإتفاق على معاهدة ثانية بين الدولتين السعودية والفرنسية وفسخ الأولى التي لا تزال سارية المفعول.
وبالتالي، فإن زيارة ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان الى باريس، ستكون مفصليّة.
يشير المتخصصون في القانون الدولي الى أنّ ميثاق الأمم المتّحدة ينصّ على أنّ المعاهدات بين الدول تنشئ إلتزامات متقابلة حتى لو كانت لصالح دول أخرى، ولا يجوز أن تتذرّع أية دولة بدساتيرها الداخلية والقول إنها لا تتوافق مع معاهدة مبرمة، لأن المعاهدة الدولية تطغى على الدساتير، بحسب ما يشرح أستاذ القانون الدولي والشؤون السياسية في جامعة الروح القدس ـ الكسليك الدّكتور ميشال عيد لـ«السفير» مؤكّدا أنّ «المعاهدة بين السعودية وفرنسا لا تزال قائمة بمفاعيلها وتداعياتها كافّة، أقلّه من الناحية التقنيّة ومن الناحية الإنتاجية في مصانع فرنسا».
لكن، هل يمكن للسعودية «توقيف» هذه الهبة بحسب القانون الدّولي؟ يقول عيد: «عام 2014 وقع الفرنسيون والسعوديون على معاهدة يستفيد منها لبنان بهبة، وهي تندرج ضمن عقد ملزم للطرفين السعودي والفرنسي، وبالتالي لا يجوز بحسب القانون الدّولي أن توقف السعودية هذه الهبة إلا في حال نصّت المعاهدة صراحة على فسخ هذا العقد في ظروف معيّنة أو عبر شروط معيّنة».
يشرح عيد أنّه «لم نر شروطا تجيز للسعودية وحتى لفرنسا وقف هذه المعاهدة بين الطرفين، بمعنى أن هذا التوقيف الذي سمعنا عنه قد يكون إعلاميا وإنشائيا فحسب، لأنه لغاية اليوم لم يحصل اتفاق سعودي فرنسي ثان يجيز إلغاء هذه المعاهدة، أي أنها لا تزال قائمة بين الطرفين والمستفيد منها هو لبنان».
يضاف الى العامل القانوني بدء المصانع الفرنسية بإنتاج السلاح المخصص للجيش اللبناني وبحسب احتياجاته، وقد حصل لبنان على جزء من هذه الأسلحة ولا تزال أمامه مراحل قد تصل الى 5 أعوام لتسلّم الدفعات المتبقية، وقد أصرت فرنسا على متابعة التصنيع لأنها سبق وقبضت بين الـ400 والـ500 مليون يورو موجودة في مصارفها وسلّمت الى المصانع الفرنسية، ما يشير مجدّدا الى أن المعاهدة لا تزال قائمة.
اتفاقية ثنائية جديدة تلغي الأولى
يختلف الوضع في حال توافقت السعودية وفرنسا معا على إلغاء هذه المعاهدة، عندها يترتّب على فرنسا إعلام الحكومة اللبنانية، رسميا، بأنه تمّ إيقاف تزويد لبنان بالسلاح لأنّ المعاهدة التي كانت قائمة مع السّعودية استبدلت بأخرى مغايرة أو بملحق معاهدة متممة ألغيت بموجبها المعاهدة الأولى».
لكنّ فرنسا لم تصرّح بأن هذه المعاهدة قد توقفت، لا بل ما زالت مصرّة على تنفيذ هذا الإتفاق، وهذا ما ظهر من خلال تصريحات الناطق بإسم «الكيه دورسيه».
لا يمكن تحويل الهبة الى بلد آخر
يشرح عيد أنّ «هذا شأن يخصّ البلدين، لكن من حيث المبدأ لا يجوز بسبب ظرف معيّن إلغاء معاهدة لمصلحة دولة ثم تحويلها الى دولة أخرى، إلا بتوافق الإرادتين حول أن إعطاء لبنان السلاح قد يضرّ بهذه المعاهدة، أي أنه يجب أن يكون ثمّة سبب وجيه لإلغاء هذه المعاهدة ثمّ تحويلها الى دولة أخرى».
يضيف: «أمّا إذا قررت السعودية فعلا تحويلها الى بلد آخر فإنّها تحتاج الى موافقة فرنسا».
ماذا عن القول إنّه يحق للسعودية «تغيير مكان استلام البضاعة وليس إنهاء عقد الشراء».
يقول عيد: «هذا على صعيد العلاقات الشخصية، أما إذا كان ثمة طرف آخر مستفيد مثل لبنان فلا يجوز ذلك إلا بموافقة فرنسية صريحة، وأن تُعلم فرنسا لبنان رسميا بأن مشروع تسليح الجيش اللبناني بصدد التجميد لأنّه حصل اتفاق جديد مع السعودية. أما خارج هذا الإطار فيبقى على الفرنسيين أن يزوّدوا الجيش اللبناني بالأسلحة، وأي إجراء آخر يجب التوقيع عليه بموجب معاهدة مستقلة عن تلك الموقعة لصالح لبنان».
الفارق بين الـ3 مليارات والمليار
هل هذه القيود تسري على الـ3 مليارات دولار أم على المليار فحسب؟
يشير عيد إلى أن «المليار دولار التي أعطتها السعودية مباشرة للبنان، وتحديدا للرئيس الحريري، لا شأن لفرنسا فيها. وبالتالي فإن هذه المكرمة هي مساهمة شخصيّة لكن على مستوى الدولة، وهي تشبه وديعة المليار دولار في المصرف المركزي اللبناني والتي أودعت لدعم استقرار لبنان الإقتصادي. وبالتالي يمكن للمملكة بقرار أحادي تجميد صرفها وفقا لما تراه في مصلحتها».
لكن، ماذا إذا أنجز لبنان عقودا لصالح مؤسسات أمنية ترتب عليه أعباء مادية؟
يوضح عيد أنه «حين يقوم لبنان بإلتزامات مشروطة بقبضه هذه الهبة فإن هذه الإلتزامات تبقى مشروطة بالهبة. لا يلتزم لبنان بصفة شخصية ما لم تكن الأموال في حوزته، وبالتالي إذا التزم بشراء تجهيزات للمؤسسات الأمنية ولم تصل الهبة فإن العقد الذي يكون قد عقده لبنان يصبح بحلّ من الإلتزامات شرط أن يكون لبنان ذكر أن المال الذي سيدفعه هو من الهبة السعودية».
حراك ديبلوماسي دولي
هل يحق للبنان المتضرر المطالبة بحقه بحسب القانون الدّولي؟
يقول عيد: «إن الجيش اللبناني بإرادته الوطنية قادر على خوض الحرب بأدنى الإمكانات من السلاح بل باللحم الحيّ، ولكن عندما تقرر دولتان صديقتان تسليح الجيش لدعم قدراته وتدعيم استقرار لبنان، فإن اي قرار مغاير تصبح بموجبه القوى الأمنية اللبنانية متضررة من هذا التوافق السلبي، وبالتالي يمكن للبنان الإصرار والطلب وتوجيه رسائل الى الأمم المتّحدة لكي تضع يدها على هذه المعاهدة التي جاءت لصالح الدولة اللبنانية».
وردّا على نظرية ديبلوماسي غربي بأن فرنسا تحتاج الى موافقة السعودية لتسليم لبنان الأسلحة ولو انتهى تصنيعها يقول عيد: «يمكن لفرنسا أن تسلّم لبنان السلاح بلا موافقة السعوديين، لأن المعاهدة تقضي بأن تزود السعودية فرنسا بالمال الكافي لصالح اللبنانيين وبعدها يصبح زمام الأمور بيد الدولة الفرنسية».