ليس ما دار في ديوانية عين التينة سوى ترتيب مخرج للفشل. شيء من تغيير الموضوع ما دام ملف الرئاسة مغلقاً ولا تغيير في اللعبة ولا في اللاعبين. وشيء من خداع النفس والناس عبر الوعد باعطاء القمر لمن يطلب رغيف خبز. فلا أحد يصدق أن الهرب من العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية يقود الى معجزة النجاح في إصلاح الجمهورية. ولا شيء يوحي أن الحسابات والمصالح التي حالت دون بناء مشروع الدولة وقادت لبنان في مسار انحداري تتحكم به سلطة رديئة جشعة وفاسدة باتت تسمح باكمال اصلاحات الطائف بعد ٢٧ سنة من وثيقة الوفاق الوطني.
ذلك ان دينامية التعطيل أقوى من دينامية التشغيل قبل الحديث عن التفعيل. ومن الوهم التصور، حتى لدى أصحاب النيات الحسنة وسط التشكيك بالنيات السيئة للبعض، ان انشاء مجلس شيوخ واقامة اللامركزية الادارية الواسعة والتفاهم على قانون انتخاب اسهل من انتخاب رئيس للجمهورية أو أقله متيسرة في غيابه. ففي الأدراج أكثر من مشروع للامركزية الادارية، لكن المصالح الواسعة والضيقة للتركيبة السياسية منعت تطبيق أي مشروع. ولا أحد يعرف كيف يمكن الآن تطبيق اللامركزية الادارية في غياب المركزية السياسية التي تجسدها مؤسسات الدولة.
وانشاء مجلس الشيوخ مرتبط، حسب اتفاق الطائف الذي صار دستوراً، بانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي. وانتخاب هذا المجلس مرتبط نظرياً بانشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية. والسؤال عملياً، بصرف النظر عن الخطوات المطلوبة على الورق، هو: هل المناخ في المنطقة مناخ علماني أو أقله يشجع على قيام دول مدنية على أساس المواطنة؟ أليس مناخ صراعات طائفية واتنية ومذهبية دامية ودعوات الى دول دينية سواء على طريقة الجمهورية الاسلامية في ايران أو على طريقة الخلافة الداعشية، أو على طريقة حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس التركي اردوغان بعد النجاح في إفشال انقلاب له طابع ديني أيضاً في ظل الداعية فتح الله غولن وحركة خدمة؟ وهل يستطيع اللبنانيون، وإن كان كثيرون يتمنون، الغاء الطائفية السياسية من دون تجاوز الطائفية في حد ذاتها، وهم حالياً في عز الطائفية والمذهبية هنا وفي المنطقة، بحيث تبدو حماية لبنان من الفتنة المذهبية أكبر انجاز للحوار في الشكل، وعملياً للحاجة الاقليمية والدولية الى خدمات يقدمها لبنان المستقر.
الظاهر مخيف، والمخفي أعظم. ونحن أسرى صراع المحاور الاقليمية في اطار مذهبي، وإن كانت اللعبة جيوسياسية. وممنوع أن يكون لدينا في الأسر الى إشعار آخر، حتى آلة سلطة تعمل بانتظام وتحتاج ادارتها الى مفتاح اسمه رئيس الجمهورية.