اللبنانيون الذين ناموا على وعود رئيسي الجمهورية والحكومة بنجاح الحكومة في تجاوز الخلافات المستحكمة، والذهاب إلى ورشة العمل التي تنقل الدولة من حالة التردي التي وصلت إليها نتيجة هذه الخلافات، استفاقوا وقبل أن تحسم الحكومة أمرها على اشتباك حاد بين حزب الله وفريقه وبين تيّار المستقبل الذي يقود رئيسه معركة الإصلاح، وهذا الاشتباك مرشّح لأن ترتفع وتيرته لتطيح بكل مقومات الدولة بدءاً بالحكومة نفسها، بحكم إنعدام فرص العودة إلى الوراء من أحد الفريقين المعنيين.
فحزب الله الذي رفع قبل أن تبصر الحكومة النور شعار إعلان الحرب على الفساد وملاحقة الفاسدين والمفسدين أينما كانوا وحيثما وجدوا، وجّه سهامه نحو شريكه في الحكومة، والمقصود به تيّار المستقبل، فحمله مسؤولية إيصال الدولة إلى حافة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والمالي نتيجة للسياسة المالية التي اعتمدها أحد أركان هذا التيار الرئيس فؤاد السنيورة عندما كان رئيساً للحكومة وقبله وزيراً للمالية.
ولم يكتف الحزب بنبش الماضي بل ذهب إلى القضاء مطالباً بمحاكمة السنيورة على ما أسماه الفساد، متجاوزاً بذلك كل الاعتبارات التي أدت إلى ولادة الحكومة، وكأنه بذلك يستهدف بشكل مباشر رئيسها، ويضعه في قفص الاتهام كون الرئيس السنيورة يشكل أحد أركان تيّار المستقبل، مما استدعى رداً عنيفاً منه تجاوز الدفاع إلى الهجوم المركز على الحزب على قاعدة العين بالعين والسن بالسن.
وبمعزل عمّا إذا كان الرئيس السنيورة يقصد بأن الحزب لجأ إلى فتح الملفات القديمة للتغطية على أمور أخرى، والمقصود بها صدور حكم المحكمة الدولية بإدانته في إرتكاب جريمة اغتيال الرئيس الحريري، فإن هذا الاشتباك الرفيع النبرة سيدخل من الباب الواسع إلى مجلس الوزراء ويحوّل الحكومة إلى حكومتين والمجلس إلى مجلسين ما من شأنه الاطاحة بالانسجام الوزاري المطلوب وربما بالحكومة نفسها طالما ان الحزب وحلفاءه يملكون الثلث الكفيل بإسقاطها، وفي أحسن الأحوال بشل قدراتها على اتخاذ أي قرار.
من البديهي القول أن الحكومة تواجه أزمة حقيقية في حال استمر الاشتباك بين الحزب وتيار المستقبل، وكل المؤشرات تدل على انه سيستمر في ظل غياب المصلحين، وهذا يعني ان البلد مقبل على مرحلة أسوأ من المراحل التي مرّت بها خلال تأليف الحكومة وقبل الوصول إلى تلك التسوية التي أوصلت العماد عون إلى بعبدا، إلا إذا توقفت هذه الحرب بين الحزب والتيار بمبادرة من الأول، الأمر المستبعد حتى الساعة.