حديث «الانتصارات» عند أهل «الممانعة»، راسخ رسوخ يقينياتها وبيانها المؤدلج، وزبدته ومصلِهِ وعموميّاته وتفاصيله!
وفي ذلك أشياء ذاتية الإنتاج والدفع، وأخرى آتيّة من تراكمات موروثة من سرديات النزاع العربي – الإسرائيلي المديد أيام زمان! عدا عن كون مصادره الأولى ذات صلة حميمة بعلم الكلام وتفخيماته وقوّة سبكه ووقعه في الذوات الحارة لشعوب المنطقة في الإجمال.
وتلك سردية بلفية لا مثيل لها في أي مكان آخر. وقمّة ذلك أن تكون الهزيمة النسبية أو التامّة، إنجازاً في حالة «بقاء» نظام «البعث» برغم خسارة الأرض في حرب العام 1967 وانتصاراً في حالة «صمود» «المقاومة» برغم تدمير لبنان (المُحرّر!) في حرب العام 2006! وصولاً إلى شيء إعجازي مضاعف في حالة سوريا برغم تحوّلها إلى فتات وشتات ومقبرة على وسع جغرافيّتها و«دولتها» ومؤسّساتها و«سيادتها»!
والتبسيط التفصيلي في هذه السَرديّات الانتصارية، يفيد مثلاً بأنّ إطلاق الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين، نحو مئة صاروخ على نافوخ رئيس سوريا السابق بشّار الأسد هو «دليل قاطع» ولا يُجادَل على حجم «الهزيمة النكراء» لمطلقي تلك الصواريخ! أو أن تكون الغارات الجويّة الإسرائيلية تعبيراً عن مدى عمق ألوان التراب الذي تتمرّغ به أنوف الصهاينة! وعلى عمق «المأزق» الذي انحشروا فيه، لأنّ «مؤامراتهم» (الكونية، لمن نسيَ!) لتدمير سوريا وزعزعة كيانها، تحطّمت على صخرة الصمود الأسدي المدعوم إيرانياً!
لا يُقال شيء في تلك الأناشيد، عن «الأوضاع الفعلية العامة» للمنتصرين، من طهران إلى دمشق مروراً إلى حدٍّ ما، بموسكو! تكفي أن تكون صورة بشّار الأسد وهو داخل إلى قصر المهاجرين عنواناً لـِ«هزيمة» الغرب والصهاينة والمتآمرين العرب! «صورة» «رجل الدولة» اللابس ثياباً رسمية والمتأبّط حقيبة جلدية، والماشي وحده.. في مقرّ عمله! مثله مثل أي موظف في بنك في أي عاصمة غربية!
وذروة الهذيان الانتصاري في الصورة هي «مدنيّتها»! وعاديّتها! وكيف أنَّ صاحبها «يتمكّن» من السير وحده في مقرّ عمله (مش قليل!) وكيف أنّ هذا المقر لا تشوبه خربشة صغيرة على صفحته التامّة! حيث لا أثر لأي شيء يدلّ على استثنائية ما.. على سوريا المرمّدة والمدمّرة مثلاً! وعلى كون الحطام البرليني سمة أبرز الحواضر والمدن والبلدات والدساكر السورية! وعلى أنّ هذه المخلوق سبّب ويلات بشريّة تُقاس أرقامها بمئات الألوف قتلاً وجرحاً وتعذيباً واختفاءً، وبالملايين تهجيراً وتشتيتاً وبؤساً ورزايا سوداء!
صدّام حسين، بهذه المقاييس البائسة والانحطاطية، كان أحسن منه! وأقلّ نكراناً وغربةً عن الواقع: اختبأ ولم يخجل أو يقل أنه بقي في قصوره الرئاسية! ونزل على الأرض في الفلّوجة في نيسان عام 2003 وهو بكامل «أناقته» القتالية! وخاطب العراقيين وفق منظوره المألوف و«بشّرهم» بالهزيمة لكنّه دعاهم إلى «القتال»! استمطر اللعنات على أعدائه ولم يبخل بشتيمة أو إهانة موجودة في قاموسه، إزاءهم!
بشّار الأسد من طينة أخرى: «انتصر» لكن سوريا ماتت! و«بقي» لكن بيئته اندثرت أو تكاد! و«صمد» لكن أعمدة الكيان العمراني البشري تفتّتَت وتشظّت! يكتفي بصورته، قادراً على المشي في مقرّ عمله كالعادة.. وأي إعجاز؟!