IMLebanon

فيدرالية ومجلس رئاسي ثلاثي لسوريا؟

الحديث عن حل في سوريا على أساس الفيدرالية ليس جديداً، فلاديمير بوتين كان أول من أشار إليه نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2015، بعد شهرين من بداية التدخل العسكري الروسي، وفي مارس (آذار) من العام الماضي بدا أن الأمور تقترب فعلاً من هذا الحل، كما أوحت تصريحات روسية أميركية تقاطعت في تأكيد التوجه إلى ترتيب الفيدرالية كمخرج للأزمة التي دمرت سوريا واستجلبت الإرهابيين وأغرقت المنطقة باللاجئين.

عشية الجولة الخامسة من المفاوضات في جنيف، قال سيرغي ريباكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، أن موسكو تأمل في أن يتوصل المشاركون في المفاوضات إلى حل يقوم على فكرة إنشاء جمهورية سورية فيدرالية، وموسكو لن تعترض أيضاً على أي نموذج آخر لسوريا، شرط ألا يكون نتيجة إملاء شخص على بعد ألف كيلومتر!

لكن هذا «الشخص» الذي كان ريباكوف يرد عليه ويرى أنه يقف على بعد ألف كيلومتر، لم يكن سوى جون كيري وزير الخارجية الأميركي السابق، الذي كان قد أعلن قبل أيام في شهادة أمام الكونغرس الأميركي أنه ربما فات الوقت لإبقاء سوريا موحدة، وأن سوريا الموحدة لم تعد موجودة!

في سياق الدخان الفيدرالي الذي كان يتصاعد من كواليس جنيف، قال بشار الأسد في مقابلة صحافية في سبتمبر (أيلول) الماضي، إنه لا يستبعد فكرة النظام الاتحادي، لكن أي تغيير يجب أن يكون نتيجة حوار بين السوريين واستفتاء لإدخال التعديلات اللازمة على الدستور، وكان بهذا يلاقي تصريحات ريباكوف الذي أوضح «أن النموذج الاتحادي سيخدم مهمة الحفاظ على سوريا موحدة وعلمانية ومستقلة وذات سيادة فمن الذي سيعترض على ذلك»؟

في مايو (أيار) الماضي تمخضت المحادثات في آستانة عن الخطة المعروفة التي سمّيت مناطق «خفض التوتر» الأربع، وهو ما أعاد إحياء ملامح النظام الفيدرالي، الذي أخذ بعده العملي والجاد في السابع من يوليو (تموز) الماضي على هامش قمة هامبورغ، عندما تمّ التفاهم بين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين على هذه الخطة.

وتؤكد تقارير دبلوماسية أوروبية، أن العشاء السري بينهما تحوّل إلى اجتماع حول الخرائط كرس هذا التفاهم، خصوصاً بعد المحادثات الروسية الأميركية التي كانت قد جرت في الأردن وهندسها مايكل راتني المسؤول الأميركي عن الملف السوري، والتي درست موضوع إنشاء مناطق «خفض التوتر»، لكن على قاعدة اقتراحات أميركية، هدفها تطوير الوضع تمهيداً للدخول إلى الحل الفيدرالي، بما يعني أن واشنطن تبنّت هذا الحل الذي كان في الأساس اقتراحاً روسياً من بوتين.

ويبدو أن التفاهم بين واشنطن وموسكو يمضي قدماً في وضع تصور لشكل هذه الفيدرالية، التي يفترض، كما تقول التقارير الدبلوماسية، أن تأتي استجابة لقرار أممي يصدر عن الشرعية الدولية في الأمم المتحدة، بحيث يأخذ بعداً إلزامياً مستنداً إلى القانون الدولي.

في هذا السياق، تقول التقارير المشار إليها إن الصيغة الفيدرالية ستُطرح على الأمم المتحدة الشهر المقبل، وستوافق عليها أميركا وروسيا والصين والدول الأوروبية والعربية، وستكون على أساس أن لكل محافظة من المحافظات السورية حاكماً ومجلس محافظة يتبعان دمشق في المسائل المالية والسياسات الخارجية والدفاعية، ويفترض أن يبدأ عملياً تطبيق الدستور الفيدرالي بعد شهرين من إجراء انتخابات عامة يشارك فيها السوريون في الداخل وفي الخارج، وتجري بإشراف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وتقرر بالنهاية موقع بشار الأسد من الحل.

وينصّ الدستور الفيدرالي المقترح، على تشكيل مجلس رئاسي ثلاثي، بمعنى أن يكون هناك رئيس ونائبان للرئيس، شرط أن يكون لنائبي الرئيس حق المشاركة الكاملة في اتخاذ القرار، وعلى أن يتشكّل هذا المجلس على أساس أن يكون الرئيس علوياً ونائب الرئيس سنياً والنائب الثاني من الأقليات.

وتشير هذه التقارير إلى نقطة لا تزال موضع بحث مع الروس، على خلفية أن الجانب الأميركي يصرّ على إلغاء كل الأجهزة الأمنية القائمة وعلى إنشاء «جهاز أمن وطني» بفرعين، فرع يتبع الجيش ويكون بإمرة قائد علوي، وفرع يتولى الأمن الداخلي ويكون بإمرة قائد سني ومن حلب تحديداً.

وفي التقارير إشارات واضحة إلى «أن الحرب في سوريا انتهت»، وأنه سيتمّ ضم الفصائل المعارضة ودمجها بالجيش الوطني الجديد، وسيجري إخراج المقاتلين الأجانب، ويتولى الأميركيون والروس الإشراف على تنفيذ فصول هذا الحل.

ورغم أن العلاقات الأميركية الروسية تمر في مرحلة من التعقيد على خلفية العقوبات التي أقرّها الكونغرس أخيراً ضد موسكو، فقد كان هذا الحل المقترح لسوريا موضع بحث بين سيرغي لافروف وريكس تيلرسون في السادس من الشهر الحالي في مانيلا، على هامش قمة «آسيان»، وقال بيان للخارجية الروسية إنهما ناقشا بشكل مفصل الوضع في سوريا، وشددا على أهمية المضي في تطبيق المذكرة التي وقع عليها البلدان في الأردن الشهر الماضي، والتي تفاهم ترمب وبوتين على مفاعيلها في هامبورغ.

موسكو أعلنت أنها تنخرط الآن في مفاوضات مع فصائل المعارضة في ست محافظات سورية، بهدف إقناعها بالانضمام إلى خطة «خفض التوتر»، وهذا يعني استطراداً التمهيد لقبول هذه الفصائل بخطة الاندماج في الجيش الوطني الذي تقترحه صيغة الدستور الفيدرالي.

والمعروف أن المناطق الأربع لخفض التوتر هي: أولاً جنوب غربي سوريا حيث بدأ تنفيذ الخطة، بإشراف روسي بعدما تمّ إبعاد «حزب الله» والتنظيمات الإيرانية مسافة 40 كيلومتراً من الجولان إلى الحدود الأردنية السورية، وثانياً غوطة دمشق التي يجري الآن ترتيب وقف النار فيها رغم تصعيد النظام، وثالثاً منطقة شمال حمص والساحل، ورابعاً منطقة إدلب.

بعد الإعلان عن خطة المناطق الأربع لخفض التوتر في مايو الماضي، بدأت «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) هجوماً أدى إلى طرد «حركة أحرار الشام» وإلى فرض سيطرتها الكاملة على محافظة إدلب، وكان من المثير أن يتم نقل مقاتلي «النصرة» من جماعة أبو مالك التلي من جرود عرسال إلى إدلب في حافلات سورية وبمواكبة أمنية سورية، وهو ما جعل البعض يفترض أن هناك خطة لجعل إدلب مصيدة للقضاء على حركة «النصرة»، وهو ما يفسّر التقاطع في الموقفين الأميركي والروسي من التطورات في إدلب.

واشنطن حذّرت بداية الشهر من عواقب وخيمة لسيطرة «النصرة» على إدلب، وقال مايكل راتني: «هذا سيعرض منطقة شمال سوريا لخطر كبير، ويجب أن يعلم الجميع أن أبو محمد الجولاني وعصابته هم المسؤولون عن العواقب التي ستحلّ بإدلب».

في المقابل شكك سيرغي لافروف في ضم إدلب إلى خطة خفض التوتر، «لأن الوضع بات أكثر تعقيداً»، بما يوحي أن المضي في تنفيذ الاتفاق على حل لسوريا على أساس الفيدرالية، بات يتطّلب تطهير إدلب من «النصرة»، وهو ما يدخل حسابات رجب طيب إردوغان المعقدة على الخط!