ليس في البال رغبة مخفية أو مفضوحة لتكرار الركّ على مسؤولية إدارة باراك أوباما عن استمرار النكبة السورية في مسارها التصاعدي، بما يعنيه ذلك من سقوط تلك الأعداد الإضافية الهائلة من أرواح البشر السوريين. وتدمير العمران في مئات المدن والبلدات والقرى. وإحلال «الحيونة» في موقع الصدارة في مطالع الألفية الثالثة. ثم إلباسها أثواباً مطرّزة وموشَّاة بنُبل المقاصد! ورفعة المهام.. من نوع «محاربة الإرهاب»! أو المحافظة على «الدولة» السورية! أو لجم «التكفيريين» وحفظ التعدّد والتنوّع الأقلوّي.. وما إلى ذلك من تفخيم تزويري لتبرير ما لا يُبرّر، وتسويق عادية تفلّت السياسة والمصالح من ضوابط الأخلاق والأنسنة!
.. لكن، لا تني هذه النكبة وغرائبها وفظاعاتها تقدّم المرّة تلوَ المرّة، «أدلّة» إضافية على صوابيّة حكم الإدانة في حق أوباما وسياساته السورية.. ومقدار استطراده الشخصي في ترجمة الاستراتيجية الكبرى لبلاده التي قضت بتطويق المشروع النووي الإيراني، ومنعه من الاكتمال، لكن بطرق مختلفة عن تلك الصدامية التي اعتمدت في «موضوعي» أفغانستان والعراق!
الناطق بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف اعتبر بالأمس، أنّ منظومات دفاع جوّي محمولة تمتلكها وتستخدمها المعارضة السورية «تشكّل خطراً هائلاً على كل الحكومات».. وهو يقصد تحديداً «حكومة» بلاده التي تغنّى قادتها مراراً بنجاح «تمارين وتدريبات» القوات الروسية المقاتلة في سوريا قبل أن «يكتشف» هؤلاء القادة، أنّ بضعة صواريخ محمولة على الكتف كافية لزعزعة تلك اليقينيات الانتصارية والإنجازية.. المُخزية في كل حال!
والعِبرة في ذلك، أنّ مستر أوباما، وقبل أن يَظهر «داعش» أو «النصرة»، وفي الوقت الذي كان «الجيش السوري الحر» لا يزال أقوى الفصائل المقاتلة وأبرزها.. امتنع عن (ومنع غيره من) تأمين بعض السلاح لذلك الجيش وخصوصاً الصواريخ المضادة للطائرات (البدائية) الأسدية ومن ضمنها مروحيات البراميل المتفجرة، بما كان سيؤدي يقيناً، إلى تخفيض عدد الضحايا وخصوصاً من المدنيين، وتقليص حجم الدمار المادي.. وتثبيت مئات الألوف إن لم يكن ملايين السوريين في بيوتهم وممتلكاتهم ومدنهم وقراهم وبلداتهم!
تحت سقف السياسة الانتهازية الخاصة بعدم توتير الإيرانيين في سوريا، أو كسر «إرادة» الإسرائيليين بعدم الاستعجال في إسقاط بقايا السلطة الأسدية، أو ترجمة للتخريص القائل بعدم الرغبة في «صوملة سوريا»! أو «عرقنتها»، أو الدفع نحو «انهيار» الدولة ومؤسساتها، أو غير ذلك من الحسابات التكتيّة والاستراتيجية «الكبرى» لواشنطن.. تحت ذلك السقف المتعدّد الطبقات، كان يمكن للسيّئ الذكر أوباما أن يلجم العسكريتارية الإيرانية – الأسدية، ويمنعها من الإيغال في الفتك بالسوريّين وتخريب ديارهم وتشريدهم، من خلال رفد المعارضة ببعض ما طلبته من سلاح نوعي وبما يكفي أقلّه، لبقائها في أرضها وبيئتها، ويؤهّلها بالتالي للاستمرار في مقارعة الاستبداد والطغيان وسدّ الأبواب على «الجماعات الإرهابية» «الأصيلة» والمفبركة على حدٍّ سواء!
بضعة صواريخ محمولة على الكتف، كانت كافية لتدارك الكثير من الصفحات السوداء في كتاب نكبة السوريين إنسانياً وإرهابياً وروسيّاً وإيرانيّاً.. ولإقامة شيء من التوازن الاستنزافي «المفيد» في كل حال، حتى في المفاوضات النووية (الأوبامية) مع إيران!.. لكنّه أوباما! سلف دونالد ترامب! وكبير حفّاري المقابر في منطقتنا! وزعيم روّاد ودعاة العودة الى الحرب الباردة! وطليعة المباركين لـِ«الفتنة» الإسلامية.. وصاحب جائزة «نوبل» للسلام! وأيّ خبيث؟!