على طاولة أحد الدبلوماسيين الغربيين في بيروت تقرير إستخباريّ يعطي صورة مفصّلة عن تطورات الأزمة السورية والتعقيدات التي أضافتها «عاصفة السوخوي»، وفيه خلاصات لمعلومات من أنقرة ودمشق وبغداد وتل أبيب والرياض وطهران أجمعَت على وجود خيوط لتفاهمات مسبقة بين واشنطن وموسكو بمعزل عن معظم حلفائهما في المواجهة المفتوحة على شتى الإحتمالات. ماذا في هذه الخيوط والمؤشرات والنتائج؟
يتباهى الدبلوماسي الغربي بما لديه من معلومات جمعتها الأجهزة الإستخبارية القوية لبلاده عن دول الجوار السوري والعواصم المؤثرة فيها، بعدما تحوّلت عاصمة بلاده ملتقى سريّاً لطواقم دبلوماسية واستخبارية من مختلف الأطراف تطبخ فيها الخيوط العريضة للسياسات الكبرى وأوراق العمل التي تتحوّل مسودات مشاريع لخطوات امنية وعسكرية وسياسية لسوريا الجديدة.
ويعترف الدبلوماسي أمام زوّاره انّ إصرار بلاده على ان تكون قناة اتصال بين مختلف الأطراف يعطيها اولى الضمانات لحماية مصالحها ورعاياها في آن. ويضيف: من السخافة الإعتقاد انّ ما جَنّدته موسكو في عمليتها من قوى عسكرية ودبلوماسية كان بمبادرة فردية وبقرار روسي فحسب، أو تلبية لطلب من الرئيس السوري لمساعدته على استعادة سلطته ومواجهة المؤامرة الكونية عليه.
وبالتالي، فليس من المنطقي القول انّ القرار اتخذ في أروقة الكرملين والدوما وما بينهما وقصر الشعب في سوريا وقيادة الحرس الثوري الإيراني في طهران، إن كان لقيادة الحرس الثوري دور في التشجيع على العملية وحسب. ذلك انّ موسكو لا تمتلك القوة الكافية لاتخاذ قرار من هذا النوع من صنع قيادتها مهما بلغت من قوة وحضور دوليين.
وهو ما دفعَ العديد من العواصم التي تأثرت بالأزمة السورية وتردداتها الدبلوماسية وموجات اللجوء والنزوح السكاني الى البحث عن خيط رفيع رَبط مصالح موسكو وواشنطن وسمحَ بأن تشكّل المبادرة الروسية بوّابة العبور الى مرحلة المفاوضات الدبلوماسية والسياسية للخروج من النفق العسكري المظلم الذي قادت اليه العمليات العسكرية في سوريا. فقد أثبتت الوقائع الميدانية عدم قدرة أي طرف على الحسم مهما بلغت قوته في ايّ بقعة من بُقع التوتر على كامل الخريطة السورية.
وعليه، يقول الدبلوماسي انّ ما جَمعته التقارير الإستخبارية من عواصم الجوار السوري وعواصم الحلف الدولي أشار الى تفاهمٍ ما رُسِم بـ حرفية عالية الجودة بين رئيسَي الدبلوماسية الأميركية والروسية جون كيري وسيرغي لافروف في لقاءاتهما المقفلة على باقي الحلفاء، أعطى الضوء الأخضر لموسكو للقيام بعمليتها العسكرية في التوقيت المثالي الذي يبرّر تدخّلها للوصول الى سلسلة أهداف مباشرة وغير مباشرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
– الإدعاء بعدم قبول روسيا الوصول الى قواعدها البحرية في سوريا ورفضها سقوط النظام الذي لامسَ الخطوط الحمر في مرحلة لم يتمّ التفاهم بشأنها حول البديل منه.
– وضع حد للدور الإيراني المتمادي في سوريا ومنعاً لعَرقنته. فإمساك طهران بناصية السلطة في العراق تجربة لا يمكن استنساخها في سوريا فما هو مسموح هناك غير مقبول في مكان آخر.
– وصول العمليات العسكرية التي يقودها الحلف الدولي في مواجهة داعش الى الحائط المسدود نتيجة الفشل في تكوين القوة السورية المعتدلة التي يمكن ان تقود مواجهة حاسمة مع داعش.
– الحاجة الى تخفيف الضغوط التي تتعرض لها الإدارة الأميركية بعد التفاهم النووي مع ايران نتيجة الفشل في وضع حد لطموحاتها الخارجية قبل فكّ العقوبات عنها، واحتساب ردّات فعل اكبر بعد تحررها منها مطلع العام 2016.
والى هذه الأسباب الوجيهة التي أجمعَت عليها التقارير، ثمّة اعتراف واضح بأنّ بدايات التوتر بين موسكو وحلفائها في طهران كانت نتيجة الخلافات حول مصير النظام السوري وشخصياته ودور أذرعَتها الإقليمية اللبنانية والعراقية في سوريا بعد إصرار الروس على التعاطي مع قيادة الجيش السوري دون غيره من فصائل الدعم الأخرى، فموسكو لا يمكنها التعاطي مع مجموعات غير نظامية.
وكما على الجبهة الروسية وحلفائها، ثمّة بداية معلومات عن خلافات مماثلة بين واشنطن وحليفاتها في انقرة والرياض، وتحديداً حول مصير حلفائهما من الفصائل السورية. فعدم القدرة على تشكيل قيادة موحدة لها حال دون إقناع موسكو بحصر عملياتها العسكرية بـ داعش وحدها، فتَوسّعَ بنك الأهداف باتجاه الحلفاء، ما انعكسَ بدايات توتر بين واشنطن وحلفائها.
وأمام هذه الوقائع والإستنتاجات ثمّة من يستنتج وجود تفاهم روسي – اميركي مبطّن يقود حتماً الى اختصار العاصمتين لأدوار الحلفاء، وهو ما ستُظهره الأيام المقبلة بشكل أوضح، وسط مؤشرات تقود الى احتمال تفكك الجبهتين اللتين تقودهما واشنطن وموسكو.
فهل تختصران المشهد السوري من دون غيرهما من الفرقاء؟ هذا ما ستثبته الأيام المقبلة سلباً او ايجاباً. وفي الحالتين على الجميع ان يستعد لقراءة المشهد السوري بكتاب آخر فيه صفحات جديدة ما زالت غامضة الى اليوم.