Site icon IMLebanon

قراءة أولى في العهد الجديد

لا شك في أنّ الانتخابات الرئاسية التي انتظرناها لأكثر من عامين ونيف قد شكلت نقلة نوعية في الحياة السياسية اللبنانية. وأنه يعوّل على عهد الرئيس العماد ميشال عون الكثير على طريق إطلاق دينامية دستورية وإنتاجية تشريعية وورشة تنظيمية.

هذه الأهداف الأساسية تتمظهَر أولاً من خلال إعادة الحياة الى مؤسّساتنا المتداعية نتيجة التسويات المستمرة والفساد المستشري والأداء السيئ ونغمات التمديد والتجديد المناقضة لعلم الإدارة العصرية، والذي تتبعه الدول السائرة على طرق الحداثة والشفافية.

1 – وبمجرّد انتخاب الرئيس الجديد بعد مسار مُضن دام أكثر من 26 عاماً، رأى المجتمع السياسي والعام كيف عبّرت شرائح كبيرة من مجتمعنا عن الفرحة العارمة وهذا دليل آلام وآمال. آلام من ربع قرن من التهميش والإهانة، والتفرّد، والإقصاء، والإحباط، والهجرة النفسية والفعلية، واغتيال الطموح، خصوصاً لدى الجيل الجديد الخارج من رحم المعاناة والحامل شهادات وخبرات وتقنيات لم تسمح ظروف «الاقطاعات الجديدة» الرابضة على الصدور من تحقيق أحلام أو تقدير أفكار او تثمير جهود، أللهمّ إلّا لبعض الاتباع والتابعين.

2 – أما الآلام فكثيرة ومنوعة، وفي طليعتها إرساء دولة الحق والسيادة على الأرض والقاطنين عليها من مواطنين وساكنين ونازحين ولاجئين، لكي لا نبقى أسرى التجارب والساحات المفتوحة.

لكي نعرف أنّنا نعيش في ظلّ دولة، ولو بالحدّ الأدنى من العناصر والمقومات، بعدما عايَشنا تفلّتاً ما بعده تفلّت إثر الفلتان الجرمي المتمادي واستعمال السلاح حتى في الخلافات البسيطة والتافهة، وفي المناسبات المختلفة وذلك ضمن مظهر متخلّف ذهب نتيجته أبرياء عزّل ويتّمت عائلات بسبب تراجع قوة الدولة في الردع. وهذا لا يحتاج إلّا لقرار حاسم والثقة كبيرة في أنّ الرئيس الجديد قادر على ذلك بكل مسؤولية وجدية.

3 – أما بعد، فالطموح أيضاً وأيضاً يتمحور حول دفع دور العدالة المنشودة في إحقاق الحقوق وإرساء منطق القانون لا شريعة «الواسطة» العامرة في ظل نظام المحاصصات والافساد المنهجي المتمادي الذي نعايشه وهو بلا حدود ولا ضوابط. والعدالة ليست تلك القائمة تحت أقواس المحاكم فحسب، بل هي المفهوم العام الذي يعيش المواطنون في ظلّه في علاقتهم مع الادارات والمؤسسات الرسمية، والتي أصبح المواطن في طلاق معها نتيجة الزبائنية المختلفة الألوان والمعايير.

والرئيس عون يُدرك ولا شك كل الادراك أنّ تفعيل دور السلطات الموازنة أضحى حاجة ملحّة من تفعيل دور المجلس الدستوري بغية تقييم وتقويم الأداء التشريعي الى إطلاق مؤسسة «وسيط الجمهورية» والذي بات أمراً ملحّاً بعدما أصبحت كرامة المواطنين تحت طائلة بعض من يتولّون القرار الاداري والتنموي والاجتماعي.

4 – أما الملفات السياسية فكثيرة ومتشعبة وأولها إرساء اللامركزية العلمية والموسّعة وذلك تحسيناً للإنتاج وتعزيزاً للرقابة والشفافية وإنماء للمناطق. وكل ذلك تطبيقاً للأحكام الدستورية المبينة في وثيقة الوفاق الوطني. وقد عبّر خطاب القسم عن ذلك بنحو جَليّ لا يتحمّل التسويف. هذا التسويف الذي خبرناه في أداء الطبقة الحاكمة منذ عقود وهو لا يتناسب في كل حال مع عقلية الرئيس الجديد.

5 – وقانون الانتخاب هو الآخر مولود منتظر لكي تُصحّح المسيرة الوطنية ويقوم التمثيل ويُتاح أمام الناخب مساءلة المنخوب، وذلك في ظل قانون عادل يؤمّن معايير العدالة والشمولية في التمثيل الوطني في بلد سِمته التعدّدية والتنوع والتفاعل.

6 – نستطيع في هذا السياق التأكيد أنّ الانتخابات الرئاسية في إطارها العام وطريقة إتمامها برهَنت بلا شك أنّ تغييراً قد طرأ على «بروفيل» رئيس الجمهورية، إذ تبدّل المفهوم من رئيس – مدير الى رئيس له مقدار كبير من التمثيل السياسي الميثاقي، ما يجعل انتخابه وعهده مدعاة تطوير أكيد للنظام السياسي وإرساء منطقي للشراكة المأمولة بلا غبن أو قضم أو هضم كما عهدنا السنوات العجاف، حيث كان الاقوياء تمثيلاً ودوراً في مواقع القرار عند البعض بينما غاب أهل التمثيل عند البعض الآخر واستبدلوا بمَن يستجلبون الزفت والخدمات الصغيرة مقابل تغييب الدور السياسي والمنطق التشاركي والروح الميثاقية حيث المناصفة يجب أن تكون فعلية غير شكلية وحيث المشاركة هي مبدئية وليست نسبية.

توضع على العهد الجديد الآمال الكبار والبداية في وجوه أعضاء الحكومة الجديدة الذين نتوق اليهم ارباب علم متين واختصاصات منوعة ومن جيل جديد آن أوانه على طريق الجمهورية الجديدة حيث المنطق العلمي والقانوني يسود في إطار مواكبة المعايير الدولية الحديثة وإعلاء دور لبنان جمهورية مميزة برئيسها ودورها وشخصيتها وشخصياتها.