بعد واحد وعشرين يوماً، من اليوم، ينظر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى الروزنامة، فينزع منها الورقة الأخيرة من السنة الأولى من عهده… قبل أن يتصفَّح الصحف ليقرأ ماذا كُتب عن هذه السنة، سيتذكَّر هو، وكأنه يكتب، ماذا حصل في السنة الأولى، فميشال عون صاحب ذاكرة دقيقة:
يحفظ الوجوه والأحداث والتفاصيل، هكذا كان يوم كان قائداً للجيش، ثم رئيساً للحكومة الإنتقالية، ثم حين كان رئيساً لأكبر كتلة نيابية مسيحية، وصولاً إلى أن أصبح رئيساً للجمهورية.
التجارب علمته الكثير، وأهم تجربة، تفاهمه مع رئيس الحكومة سعد الحريري، ندر في تاريخ العهود بعد الطائف، أن بلغ التفاهم بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة هذا المستوى، إلى درجة أنَّه في إحدى المرات، وكانت جلسة مجلس الوزراء منعقدة في قصر بعبدا وبرئاسة رئيس الجمهورية، أن طلب الرئيس من الرئيس الحريري أن يترأس الجلسة لأنه سيغادرها. كانت هذه الخطوة إشارة من الرئيس عون إلى حجم الثقة التي يوليها للرئيس الحريري.
قاعدة التفاهم هذه أتاحت تمرير الكثير من الملفات التي تختزن وتكتنز الألغام، وهذا التفاهم هو الذي شكَّل كاسحة الألغام، فحين يكون التوافق قائماً بين القصر الجمهوري وبيت الوسط، فهذا يعني أنَّ كاسحة الألغام شغَّالة وليس بمقدور أحد أن يقف في وجهها.
لم يَعِد الرئيس ميشال عون بشيء لم يُنفِّذه:
قال بتحرير الجرود، فانتقل إلى وزارة الدفاع ليتابع من غرفة العمليات انطلاق الساعة الصفر للتحرير.
قال بقانون جديد للإنتخابات فلم يؤخَذ كلامه على محمل الجد، وها إنَّ البلد اليوم يتحضَّر لانتخابات نيابية وفق قانون جديد.
الرئيس ميشال عون ليس الآمر الناهي والحاكم المطلق وفق دستور الطائف، هو شريكٌ في السلطة التنفيذية وليس السلطة التنفيذية، ومع ذلك يستعين بشخصيته وحيثيته ليُحقِّق ما لا يستطيع تحقيقه رئيس عادي:
فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم تكن الموازنة لتمر لولا أنَّه أخذ على عاتقه أن يتم قطع الحساب في الشهور المقبلة، الجميع يعرفون أنَّ هذه الخطوة غير دستورية، لكن التزام الرئيس عون، وهو المؤتمن على الدستور، والوحيد الذي يقسم اليمين، يُعطي لالتزامه قوة الدفع الدستورية.
جلسات الموازنة اعتباراً من الثلاثاء المقبل، ستُشكِّل عيِّنة من فائض التوافق الموجود في البلد ولا سيما بين القصر الجمهوري وبيت الوسط، وبعد تمرير موازنة العام 2017، سيُصار إلى البدء بموازنة العام 2018، وعندها ينتظم العمل المالي أكثر فأكثر، بعد انتظام العمل السياسي.