مع عودة رئيس الجمهورية العماد مشال عون من زيارته لإيطاليا، تبدأ المرحلة التنفيذية لما كان اتفق عليه، أو لما خلصت اليه مشاورات قصر بعبدا مطلع الأسبوع، لتعزيز خيار عودة الرئيس سعد الحريري عن إستقالته بشكل نهائي، في ظل أجواء إتسمت بالإيجابية عموماً، ممهدة لجلسة مجلس الوزراء المقررة الأسبوع المقبل (الأرجح يوم الخميس) برئاسة الرئيس عون، الذي طمأن اللبنانيين الى أن الإستقالة «باتت وراءنا وإن الرئيس الحريري سيواصل قيادة لبنان وهناك ملء الثقة به»، لافتا الى أن «الأزمة سوف تجد لها حلاً نهائياً في بضعة أيام».
يتفق الرؤساء الثلاثة، عون وبري والحرير، كما وغالبية الأفرقاء السياسيين على أن ما حصل «غيمة صيف عابرة..» وإن الإجماع، أو شبه الإجماع اللبناني الذي تجلى بأفضل صورة في مواجهة الأزمة شكل إرتكازاً للإجماع الدولي على دعم لبنان واستقراره»، على ما قال الرئيس بري في «لقاء الأربعاء النيابي» ولسائر زواره، وذلك بالتقاطع مع تأكيد رئيس الحكومة وتصميمه على البقاء في موقع المسؤولية… وقد تعززت هذه الخلاصات بسلسلة المواقف الصادرة عن قيادات «حزب اللّه»، وتأكيدها على «ثابتتين اساسيتين: الأولى المحافظة على الإستقرار السياسي الذي ترسخ مع إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتشكيل حكومة الشراكة الوطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري، والثانية: حماية خياراتنا الوطنية ورفض الإملاءات الأجنبية من أية جهة كانت…».
بعيدا عن العبارات والعناوين «المطاطية» والقابلة للإجتهاد والتنوع في التنفسير فإن سياسة «النأي» بلبنان عن الصراعات الخارجية، قطعت شوطاً بعيداً بتأكيد الجميع على التزام البيان الوزاري للحكومة الحالية، التي نالت الثقة على أساسه… من دون الدخول في التفاصيل التي تراكمت الأسبوع الماضي، لجهة إحتمال تعديل التركيبة الحكومية… وذلك مقابل التأكيد على مجموعة «ثوابت» من بينها على سبيل المثال: – الأولى: «إن «حزب اللّه» يشكل قوة مقاومة لبنانية نشأت بوجهه الإعتداءات الإسرائيلية، وهي مقاومة شعبية»، على ما قال الرئيس عون… وقد حارب ارهابيي «داعش» في لبنان وخارجه وعندما تنتهي الحرب ضد الإرهاب سيعود مقاتلوه الى لبنان..
– الثاني: النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية (ما أمكن) بالتلازم مع إستمرار خيار مواجهة الإرهابين الإسرائيلي والتكفيري… والتزام «النأي بالنفس» فعلاً وليس قولاً، فحسب…
– الثالثة: المحافظة على أفضل العلاقات مع الأشقاء العرب وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية… بهدف المحافظة على مصلحة لبنان واللبنانيين وعدم تعريضه لأي إهتزازات سياسية واقتصادية ومالية… بل وأمنية.
لا ينكر قياديون في «المستقبل»، (كتلة نيابية و تياراً سياسياً)، إن «حزب اللّه» أبدى «جدية» لافتة في التجاوب مع الشعارات المرفوعة، وتمسكاً بالرئيس الحريري على رأس الحكومة الحالية.. «وإن الأجواء جيدة وهناك اشارات إيجابية تأتي من جانب «حزب اللّه» لناحية الإلتزام الفعلي، وليس الكلامي «للنأي بالنفس»، كشرط أساسي من الشروط التي وضعها الرئيس الحريري، التي «إذا ما تم تجاوزها فسيعود مجدداً الى خيار الإستقالة…»؟!
حتى اليوم، لم يتبلغ أي من الوزراء في الحكومة الحالية موعد انعقاد جلسة مجلس الوزراء، التي قيل أنها ستكون في القصر الجمهوري وبرئاسة الرئيس العماد عون وفق سيناريو متفق عليه بين الثلاثي عون وبري والحريري، وما يمثلونه… وعلى ما يقول وزراء مطلعون فإن الجلسة ستكون خالية من أي جدول أعمال تقليدي، مع ترجيح أن يكون الموضوع الوحيد على جدول الأعمال هو تأكيد ما جاء في البيان الوزاري لجهة «النأي بالنفس» مع بعض التنقيحات الطفيفة جداً، و «الإبتعاد عن المحاور الإقليمية والدولية، وحماية السلم الأهلي وتوفير الأمن والإستقرار».
ليس من شك في أن الجلسة المرتقبة لمجلس الوزراء، ستكون حافلة بالنقاشات أقله من باب تأكيد المواقف، وإيضاح ما يمكن أن يكون التبس منها، رغم أن الجميع متفقون على القول، بأن المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية وصلت الى «خواتيم سعيدة» ووضعت مسودة بيان سيصدر بالإجماع عن الجلسة يؤكد «النأي بالنفس.. والإبتعاد عن المحاور» لطمأنة الرئيس الحريري كما ويؤكد على أن لبنان « ملتزم الحياد» إلاّ في وجه الإرهاب الإسرائيلي والتكفيري، سواء بسواء».
لافتا الى أننا الآن عندنا ربط نزاع مع «حزب اللّه» مثل ما هم عندهم ربط نزاع معنا.. على ما قال لـ «باري ماتش» الفرنسية.
لا تخفي مصادر عين التينة، المقربة جداً من الرئيس بري «ان البلد يسير نحو الأفضل» وإن الرئيس الحريري لم يعد الى لبنان للعرقلة، بل لتقليب المصلحة اللبنانية… وهناك إجماع على مبدأ «النأي بالنفس» وأن تكون الأشهر الخمسة الفاصلة عن الإنتخابات النيابية، التي يتمسك بها الرئيس بري، مستقرة، هادئة وآمنة… خصوصاً وإن لبنان يحظى هذه المرة، وعلى نحو غير مسبوق برعاية دولية (تحديداً أوروبية – فرنسية) ، تزيد من إحتمال الوصول الى خواتيم سعيدة تتجاوز الى حد بعيد وكبير جداً، ما تتعرض له المنطقة وسائر الجوار من لا إستقرار ومن حروب قد تكون بدأت نهاياتها… وقد دلت التسريبات المتتالية عن قيادات أوروبية، وتحديداً فرنسية، رفض هؤلاء مطالب أميركية بوجوب إستمرار الحرب على الإرهاب، ما بعد «داعش» و «النصرة»، لتشمل «حزب اللّه» في لبنان..
في الخلاصة إن ما حصل ليس مجرد تحسين شروط الرئيس الحريري ونفهم لمطالبه وتأمين عودة ثابتة وقوية لدوره في رئاسة الحكومة، أو إرضاء لهذا الفريق أو لغيره، بقدر ما هو لتعزيز الوضع في لبنان وحماية مصلحته ومصلحة اللبنانيين في ظل اجواء دولية – إقليمية – عربية تتصف بالغموض الملتبس لن تكون الساحة اللبنانية بمنأى عن تداعياتها… من دون أن يعين ذلك القفز فوق التباين في المواقف الداخلية وإدارة الظهر لها، وقد أكدت التجارب السابقة إستحالة الغاء فريق لأي آخر…