Site icon IMLebanon

محسومة سلفاً..

قد تكون معركة حلب واحدة من أندر الواقعات المماثلة في التاريخ لجهة كون نتيجتها محسومة سلفاً لأحد طرفيها، بغض النظر عن مسارها الميداني!

هذه معركة تجري على حطام بقايا سلطة بشّار الأسد وداعميه ومريديه ومؤيديه، وليس العكس. أي أنها راحت باتجاه آخر مخالف تماماً لما أرادته قوى ذلك المحور، وتبعاً لحسابات تلك القوى وتحت سقفها!

مباشرة بعد اتمام السيطرة على طريق الكاستيلو وإحكام الحصار على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب، دخل الرئيس السابق بشّار الأسد في سباق مع حليفه الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله، ومن خلفهما (على خفر) بعض المسؤولين الروس والإيرانيين لاستثمار «الإنجاز» و»الانتصار» والشروع في إعلان أبوّته.. ثم الاستطراد في أداء يحاكي لعب الهواة: واحد ذهب إلى اعتبار ما جرى نسفاً تاماً لمرحلة وتأسيس لأخرى على أنقاضها، وفي سياق تضخيمي منفوخ ومألوف. وآخر ذهب إلى رحابة مفاجئة وكَرَمٌ غريب عنه، و»قرّر» مع حماته «الفضائيين» الروس أن الوقت حان للأنسنة ومكارم الأخلاق من خلال فتح «ممرات إنسانية» أمام المدنيين المحاصرين للخروج من حصارهم، وأمام المقاتلين لإلقاء السلاح والاستفادة من «مراسيم» العفو!

الفارق بين أهل ذلك المحور كان كبيراً، لكنه طُمس تحت ضجيج الاحتفالات الانتصارية في الكاستيلو. الروس كانوا الأكثر تواضعاً، لأنهم الجهة التي تملك شيئين كبيرين لا يملكهما محور الأسد إيران: التفاوض مع الأميركيين، والمساومة على التفاصيل الميدانية، في موازاة المراوحة في التفاصيل والمآلات السياسية. والثاني الغطاء الجوي والكثافة النارية التي يؤمنها، والتي لولاها لكانت دنيا سوريا في مكان آخر.

وكان هؤلاء (الروس) يعرفون (ويلتزمون!) بأن حدود الضوء الأخضر الأميركي لا تتخطى الكاستيلو! طالما أنهم متمسكون بالإصرار على ضم «النصرة» إلى لائحة أهداف مشتركة من دون تقديم أي شيء حاسم وواضح في شأن مصير بشّار الأسد.. ومع ذلك، حاولوا البلف، إذا صحّ التعبير، قبل أن تلجمهم تصريحات وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر، والتلويح من «البنتاغون» باحتمال فتح الجبهة الجنوبية بعد طول إغلاق!

الجانب الآخر من المحور، أي جماعة الأسد إيران، راحوا في سكرة الميدان حتى داخوا! وتصرفوا وفق مدونة سلوكهم المريضة إياها: استعجلوا الشماتة وتبادل أنخاب «الحسم» ولم يعوّفوا تفصيلاً إلاّ ونشروه تحت عنوان ضخم يفيد بأن «الحرب» حُسمت! وانتهت كوابيس السنوات الخمس الماضيات! ووُئدت إلى الأبد مشاريع امبراطوريات (المقصود عثمانية!)… تبعاً لـ»حسم» معركة حلب وانقلاب عاليها سافلها.

.. وهذا فيلم ممجوج، سبق وأن شاهده الناس قبل الآن وقبل حلب أكثر من مرة، وأبرز ما في ذلك كان بعد سقوط حي باب عمرو في حمص! والقصير في ريف حمص! وإطلاق «عاصفة السوخوي» في أواخر أيلول الماضي!

غير أن فرادة العرض الراهن تبزّ كل ما سبق: لم يرضَ ذلك المحور الموهوم بأقل من اعتبار طريق حلب هو حلب ذاتها! واعتبار المدينة «عاصمة» الثورة السورية! وسقوطهما معاً.. مسألة أيام لا أكثر!

تبعاً لهذه المعادلة وليس من خارجها، فإن المعارك الدائرة راهناً لا تعني سوى تهافت منطق الحسم الأسدي الإيراني من أساسه.. وكل شبر تحرّره القوى المعارضة هو إضافة تكريمية على هذه النتيجة ليس إلاّ: لم تصمد تلك القوى فقط وإنما انتقلت إلى الهجوم! فكيف الحال، واحتمالات انهيار خطوط ومواقع ذلك المحور في المدينة تبدو شديدة الواقعية؟!