IMLebanon

جلسة مفصلية للحكومة قبل 15 ايار

لماذا يرفض عدد من الأفرقاء اللبنانيين التصويت في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب، ولماذا دومًا يجب أن تخرج معظم القرارات بالتوافق وهل الديمقراطية التوافقيّة تقف سدًّا منيعًا بوجه التصويت وهل من صلب النظام الديمقراطيّ؟ مجموعة أسئلة تمّ طرحها من قبل مرجع سياسيّ متبحّر بالرؤى ومشبع بغنى الأفكار، في معرض نقاش راق اشترك فيه مجموعة صغيرة من سياسيين لا يألفون ثقافة الحروف النافرة لا في الطائفيّة ولا في العمل السياسيّ، ولا يقيسون القراءات من هذه الزوايا المغلقة بل على العكس يجيئون من الكتاب أي الدستور، ويؤمنون بصلب النظام الديمقراطيّ اللبنانيّ ويعتبرونه منسكبًا في مدى العيش الواحد بين المسيحيين والمسلمين فريدًا وراقيًا ووحيدًا برقيّه في عالم عربيّ تآلف مع أنظمة ديكتاتوريّة وملكية حتى التلاشي والاحتراب البنيويّ.

في نقاش قديم لا علاقة له بالنقاش المشار إليه، قدّم الدكتور انطوان مسرّة، وهو عضو حالي في المجلس الدستوريّ، أطروحة ميّز فيها بين الديمقراطيّة التوافقيّة التي بني عليها الطائف والديمقراطيّة الطبيعيّة المألوفة عند معظم الدول الحضاريّة الراقيّة، ليخلص إلى أنّ سلوكيات الديمقراطيات على شتّى أنواعها لا تحتمل صفة التوافقيّة ذلك انّ التوافق يعبّر عن إرادات تتلاقى طوعيًّا وتلقائيًّا بعد نقاش، مشكلّة وعاء مؤلّفًا من مجموعة متناقضين ونفيّات مذهبيّة Des négatons communautaires وطائفيّة قد تلاقوا أو تلاقت ضمن واحة واحدة، إلاّ أنّ الإرداة الطوعيّة في التوافق شكل من أشكال الديمقراطيّة. بين النقاشين أيّد هذا المرجع هذه الرؤية، ليخلص بأنّه ليس من ديمقراطية توافقيّة بل هناك هناك ديمقراطية وطنيّة تفترض التصويت. ولكون الهيكل العظميّ للنظام السياسيّ طائفيَّا، فيُفترض الارتكاز احيانًا على المنهج التوافقيّ المتأقلم مع النظام الطوائفيّ، وحين يتعذّر التوافق يحقّ للجميع في مجلس الوزراء تطبيق المنهج الديمقراطيّ بناء على النصّ الدستوري وبالتحديد على المادة 65 منه وتحديدًا في الفقرة 5 حيث تقول: «يتخذّ قراراته بالتوافق وإذا تعّذر فبالتصويت»، وبرأي هذا المرجع، فإنّ المشرّع في الجوهر لم يفصل ما بين التصويت والتوافق، لأنهما مرتكزان على الإرادة، وبالتالي أكمل النصّ قائلاً: «أما المواضيع الأساسيّة فتحتاج إلى موافقة ثلثيّ اعضاء الحكومة، (وكأنّه أشار إلى شكل تصويت)، وحدّد المواضيع الأساسيّة ومنها قانون الانتخابات.

من هذه المسلّمة الدستوريّة نحت رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون رؤيته في مجلس الوزراء، إرتكز على المادة الدستوريّة عينها أي المادة 65 ليبني بها السدود بوجه الفراغ بحال لم يتمّ الوصول إلى توافق وإجماع، لتصبّ رؤيته في المعاني الميثاقيّة الواردة بدورها في مقدّمة الدستورالفقرة (ي) والتي تعلن بصورة جذريّة بان لا سلطة لشرعيّة تناقض ميثاق العيش المشترك، والمتجسّدة في المادتين 24 و95 من الدستور بالمناصفة الفعليّة بين المسيحيين والمسلمين، وهي شرط في المادة الأخيرة لإلغاء الطائفيّة السياسيّة.

أوساط سياسيّة مراقبة اعتبرت بان رئيس الجمهوريّة رمّم بكلامه في مجلس الوزراء عمارة متكاملة لا بدّ وأن تقود إلى الهدف المنشود وهو قانون تتزاوج فيه الميثاقيّة والنسبيّة، وتؤكّد تلك الأوساط بأنّ ثمّة جزءًا من الحديث جاء متكاملاً مع خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بقوله: بأننا لا نريد أن نسلب من طائفة ما حقوقها لصالح طائفة أخرى، والسيد نصرالله حرص في خطابه على ضرورة فهم الهواجس الطائفيّة في هذا العالم المتحوّل، فيتضّح من خلال ذلك بأن لا فهمَ منفصلٌ بكليّته عن الحرص الميثاقيّ بإنتاج قانون شموليّ في عمق هذا التزاوج ومعناه، يتحرّك التزاوج في مبناه، فالقانون بالنسبة للطوائه بهواجسها مسألة حياة وموت، مسألة مصير ولم يعد الوقت مناسبًا للترف والسكر بعبارات خالية من الجديّة الفاعلة.

مصادر حكوميّة أشارت إلى أنّ جوّ مجلس الوزراء اتسم بالنقاش الجديّ والتفاعل الخلاّق، لكنّه خلا من نصّ مشروع يوضع على طاولته للمناقشة، لقد ظهر الكلام عموميًّا وبجزء منه مبدئيّ، ذلك ان وزراء التيار والقوات والمستقيل تآزروا حول رفض الفراغ، وهذا عينًا ما ظهر عند وزراء حزب الله وحركة أمل والحزب التقدميّ الاشتراكيّ، الملاحظة الوحيدة التي بدت بان رئيسيّ الجمهوريّة والحكومة تفاديا وضع أيّ مشروع من المشاريع المقترحة على طاولة البحث والنقاش حرصًا على استكمال العناصر الإيجابية بالتفاعل بين الأفرقاء وصولاً إلى إرساء التوافق، وبعكس ما تمّ الترويج له خلال ساعات بعد الظهر فإنّ الرئيس أمهل الأفرقاء مهلة قصيرة جدًّا حيث ستتمّ الدعوة إلى إلى جلسة أخيرة لمجلس الوزراء قبل السادس عشر من هذا الشهر وفيه سيلتزم الرئيس القاعدة الدستوريّة القائلة وفقًا للمادة 65 من الدستور فإذا تعذّر التوافق فالتصويت، ولهذا قال بين الفراغ والتصويت نلتزم التصويت، وكلامه قد بدا مفصليًّا.

وبسؤال تلك المصادر فإنّ نقاشًا دار على طاولة مجلس الوزراء بين وزراء التكتّل الوطنيّ الحر وحزب الله حول التصويت أو التوافق، وتظهر تلك المصادر بأنّ حزب الله وبحسب الأجواء الظاهرة حرص على ضرورة التوافق وليس التصويت، وحثّ الجميع للاتجاه نحو التوافق خلال هذه المهلة القصيرة والاتجاه نحو مجموعة تنازلات للوقوف على أرض مشتركة يبنى عليها القانون الجديد. وتظهر أوساط أخرى موقفًا متقدّمًا للنائب وليد جنبلاط أبدى انفتاحه على كلّ الأطروحات الموضوعة للنقاس وانفتاحه على النسبيّة معتبرًا بأنّ مشروع الحزب التقدميّ الاشتراكيّ غير نهائيّ، ما عدا القانون التأهيليّ. ولفتت تلك الأوساط بأنّ القوات اللبنانيّة وإن تمسّكت بالصوت التأهيليّ أي مشروع الوزير جبران باسيل هي وتيار المستقبل، إلاّ أنها منفتحة على إعادة إحياء مشروع الأحزاب المسيحيّة الأربعة الذي أقرته الأحزاب في بكركي، وهو الذي تبناه الرئيس نجيب ميقاتي في الحكومة الذي راسها ولم تعارضه الأحزاب.

وفي النهاية يعتقد مصدر في القوات اللبنانيّة بانّ الاتجاه نحو التصويت على القانون أمسى أكثر من وارد، وتساءل هذا المصدر عن سرّ الخوف من التصويت ما دام قاعدة دستوريّة وديمقراطيّة، ولماذا الإنذار بالويل والثبور وعظائم الأمور بحال تمّ اللجوء إلى حقّ دستوريّ مشروع وقد أعلنه رئيس البلاد؟ وبالنسبة إلى القوات فالتوافق أفضل الحلول لكن إذا تعذّر فهل نسمح للفراغ بأن يسحقنا ويسحق لبنان بنظامه السياسيّ والاقتصاديّ والماليّ؟

تترافق تلك الهواجس المنهجيّة مع هاجس أكبر أظهره المرجع السياسيّ المتبحّر ضمن لحظة أبعد ما تكون عن السياق الداخليّ، والهاجس يتمثّل عنده بأنّ لبنان في وسط أمرين يتنازعان، إمّا أن يأتي قانون الانتخابات بحال إقراره المقدّمة لتسوية سياسيّة تخترق دائرة الصراع في المنطقة بتوافق دوليّ إقليميّ وعربيّ، أو أن يأتي التاجيل أو الرضوخ لقانون الستين كحالة انتظار لما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا تمهيدًا لتسوية كبرى ستنسكب في الوعاء اللبنانيّ بإملاء واضح على الطوائف والأحزاب. ويشير هذا المرجع بأن تسوية ما ترتّب في سوريا، اجتمعت فيها القوى على ضرب داعش، والاتفاق الإيرانيّ-القطري واضح، بضرورة إنهاء داعش والميل إلى تصفية جبهة النصرة تباعًا، وهو تمتمة عن اتفاق أميركيّ-روسيّ… وبرأي هذا المرجع سيفضي الحل إلى دستور جديد لسوريا، فهل سيقبل الرئيس عون بالعودة إلى قانون الستين على سبيل المثال لا الحصر لريثما يصار إلى استيلاد تلك اللحظة السوريّة الجديدة التي ستهمين على لبنان بإرهاصاتها؟ وهل المؤتمر التأسيسيّ سيكون إحدى هذه الإرهاصات؟

ليس من جواب محدّد، فقط، للوقائع المتراكمة خلال الأيام المقبلة أن تجيب على معظم تلك الأسئلة والهواجس، على أمل أن يبلغ القوم سنّ الرشد والنضج بإخلاص واحد لوطن الأرز والنجوم.