IMLebanon

سياسة هشّة والصراع باقٍ داخل الحكومة وحولها

 

سياسة هشّة والصراع باقٍ داخل الحكومة وحولها

الحكم يحتاج الى عباءة توافقية وسياسية

والصراع الحكومي يمتدّ من موسكو الى نيويورك

عندما كان وزير الخارجية الأميركي السابق ايرفيه دو شاريت يغادر بعبدا الأسبوع الفائت والى جانبه السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه، راح يعرض وقائع لقائه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وقال في قرارة نفسه ان الرجل لم يتغيّر، وما سمعه منه قبل عقود، سمعه منه قبل لحظات.

وأردف الرجل: ان العماد عون يعتزم السفر قريبا الى نيويورك، وبعدها الى باريس في ٢٥ أيلول الجاري.

أسئلة كثيرة تراود السياسيين، في هذه الحقبة، خصوصا ان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يتعرّض لحملات سياسية غير مسبوقة منذ انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، خصوصا على حساب منافسته السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة في القسم الأول من ولاية سلفه باراك أوباما، وزوجة الرئيس الأميركي السابق الديمقراطي بيل كلينتون.

تعتقد السيدة هيلاري بأن تدخّل مدير الاغ. بي. اي جيمس كومي، قبل ١١ يوما من الانتخابات الأميركية الرئاسية السابقة، هو الذي رجّح كفّة فوز ترامب، ودفع الأميركيين الى التصويت بكثافة الى المرشح الجمهوري، ففاز في منصبه، على غير معظم التوقعات التي كانت تعطيها أرجحية ديمقراطية على منافسها الجمهوري.

ماذا قال كومي للناخبين قبل ٤٨ ساعة من الانتخابات وجعل السيدة هيلاري تخسر معركة العمر؟

 

وهل تترشح هيلاري للرئاسة مرة جديدة؟

المعلومات المتوافرة تقول ان البريد الالكتروني ومعه الاعلام الأميركي وقفا ضدّها قبل يومين من الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وتقول السيدة هيلاري التي صبرت على خيانة زوجها لها، مع مدربة البيت الأبيض ليونسكي ان المشكلة تكمن في ان نسبة عالية من الأميركيين لا يتحمّلون السهام، التي وجهتها صحيفة نيويورك تايمس التي تلعب عادة دورا أساسيا في اسقاط الرؤساء الأميركيين في الانتخابات وفي مقدمتهم الرئيس ريتشارد نيكسون الذي اتهمته بأنه طلب من زعماء في الحزب الجمهوري الأميركي التجسس على مقر الحزب الديمقراطي الأميركي في شارع واترغيت في العاصمة الأميركية، إبان المعركة الرئاسية الأميركية.

ماذا ستفعل السيدة هيلاري الآن، هل تثأر من صحيفة نيويورك تايمس هل ستنكفئ الى دارها، وتترك المستقبل وحده يثأر من خصمها الكبير دونالد ترامب بعد أقلّ من عام على اعادة انتخابه.

السيدة هيلاري تؤكد انها لن تترشح للانتخابات بعد اليوم لكنني لن أبقى في الزاوية ولن أختفي، سأفعل كل ما في وسعي لمساندة المرشحين الديمقراطيين، متجاهلة الأصوات داخل حزبها الداعية الى عدم طيّ صفحة عائلة كلينتون.

هل تبقى أميركا خالية، من آثار المعركة الآتية بعد ثلاث سنوات على الأقل؟

قبل أسبوع كان الرئيس دونالد ترامب، يستعد للمعركة الآتية نيابة عن خصومه الديمقراطيين، وفي مقدمتهم السيدة هيلاري كلينتون، ويقول لمن حوله من الحزب الجمهوري، انه يواجه معركة داخل حزبه، غير مسبوقة، وكأنه أمام امتحان ثان لمقدرته الانتخابية، ولعلاقاته المميزة مع زوجته وكريماته وسيدات الحزب الجمهوري اللواتي يتهمنه ب الوحش الكاسر للنساء الجمهوريات، وهو الذي يتميّز بكثرة في البراعة والمواجهة مع أجمل النساء الأميركيات.

إلاّ أن الرئيس ترامب، يتحلّى أيضا بقوّة اجتذاب السيدات الى صفوفه لكنه قرر الاستعانة بمشاهير الجالية اليهودية، لتحطيم العناصر اليهودية في المجتمع الأميركي، وهذا ما يعرفه بدقّة الأميركان، وخصوصا العناصر المشهورة في الحزب الجمهوري، الذي يضم صفوة الوجوه الأميركية المشهورة بالمال، والقوية بسمعتها وشهرتها.

هل ما يحدث الآن في واشنطن، حدث مثيل له في باريس ولندن وأثينا وروما.

العواصم الأوروبية والأميركية، حافلة بالأخبار، على هذا الصعيد، وتعرف ألوانا كثيرة من هذا النمط.

في حقبة الخمسينات، كان الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو ضدّ الجنرال شارل ديغول لكنه لم يكن يستطيع ان يقف ضدّه سياسيا على الأقل، وهو الجنرال العنيد الذي بات يقول ان الجزائر عربية لا فرنسية، خصوصا وان ألبير كامو عاش فيها، وأدرك أكثر من سواه ان الجزائر عربية، لا فرنسية، كما كان يزعم جنرالات فرنسا، يومئذ، استدعى الجنرال ديغول مستشاره أندره مالرو وصارحه بما يعانيه، لكن وزيره المشهود له بالصراحة والذكاء، قال بصوت عالٍ: الجزائر عربية، وفرنسا دولة فرنسية، وهذه فرصة ليصارح الفرنسيين بأنه مع فرنسا فرنسية وليس مع الجزائر فرنسية!.

في منتصف الستينات، كان في فرنسا رجلان كبيران هما الجنرال ديغول والسياسي فرنسوا ميتران، وكان الأول يدرك ان معركته مع ميتران ليست أقل من صموده في الذهنية الديغولية.

ويومئذ، كان على فرنسا ان تختار بين الجنرال والمفكّر والخياران دقيقان لأن للرتبة العسكرية مزايا، لا تتوافر عند المفكر السياسي، على أبواب النصف الثاني من حقبة الستينات.

أطرق الجنرال لحظة، ثم رفع رأسه الى فوق، وطلب من مستشاره ووزيره أندره مالرو ان يذهب الى جورج بومبيدو الوزير الفرنسي الأول يستدعيه الى قصر الأليزيه.

طبعا، لم يفهم أندره مالرو الأسباب الكامنة وراء استدعاء جنرال فرنسا لرئيس مجلس الوزراء للحضور الى قصر الأليزيه.

لكنه أدرك ان في الأمر خطوة كبرى، لا يلجأ اليها إلاّ الكبار، وعندما ذهب الى مقر رئاسة مجلس الوزراء الفرنسي، وصارحه بأنه يحمل اليه رسالة عاجلة، لكنه لا يعرف أسبابها ولا الأسرار.

تسلّم جورج بومبيدو الرسالة الديغولية، وتوجه فورا الى قصر الأليزيه فاذا ب القائد يطلب من صديقه ان يقدم له استقالته من رئاسة الحكومة الفرنسية.

لا القائد شرح له الأسباب، ولا السياسي استوضحه مبرراتها.

بعد مدة أدرك الرئيس جورج بومبيدو ان زعيم فرنسا سيدعو الفرنسيين الى استفتاء شعبي، وانه سيلجأ الى تقديم استقالته اذا لم يعطه الفرنسيون خمسة وسبعين في المائة، من الأصوات لتنفيذ برنامجه الاصلاحي للطلبة الفرنسيين، وإلاّ فانه سيعود الى قريته…

وعندما طلعت نتائج الاستفتاء مخيبة لآمال جنرال فرنسا، حزم ديغول حقائبه وغادر العاصمة الفرنسية الى مسقط رأسه.

كلمات متقاطعة

السؤال الملحّ الآن: هل يمارس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون دور الجنرال ديغول، ويغادر قصر بعبدا أم انه يستمر في ممارسة اللعبة السياسية القائمة بينه وبين رئيس الوزراء سعد الحريري العائد من موسكو، بعد زيارة مفاجئة، حفلت بمواقف حادّة وصعبة بين الرجلين، بوجود الزعيم الثاني للجمهورية نبيه بري في الرئاسة الثانية؟

كان الجنرال ميشال عون يحلم بجمهورية يقودها، – ذات يوم – برأس واحد. وعندما أخفق في الحلم الذي ساوره في العام ١٩٨٨. وتخلّى عن رئاسة الحكومة الدستورية ومعه نائب الرئيس عصام أبو جمره والوزير ادغار معلوف، عضوي المجلس العسكري بعد استقالة الأعضاء الثلاثة منها، الدرزي والسني والشيعي، قال الجنرال للوزير السني نبيل قريطم انه يحتاج اليه، ليتابع مشواره في الحكم، لكن الحلم سقط في منتصف الطريق، وبقيت حكومته نقطة على السطر وهي العبارة الشهيرة للوزير الأرثوذكسي أبو جمره، عندما ذهب الى تفقّد أحد المعامل الكهربائية، وطلب اصلاحه خلال وقت قصير.

طبعا، كان المشوار قصيرا بين وزارة الدفاع والسلطة، وجلس العماد عون في القصر الجمهوري ولم يغادره إلاّ بعد مواجهة عسكرية حملته على مغادرة السفارة الفرنسية الى مرسيليا، ومن ثم الى قصر لا هوت ميزون القريب من العاصمة الفرنسية باريس. قبل صدور مراسيم العفو عنه وعن رفاقه.

عندما كان العماد عون، يتناول الغداء في داره الباريسية قال للوفد اللبناني الذي كان يستقبله، انه لن يعود الى لبنان إلاّ قائدا لا مجرد حاكم يتحيّن الفرصة المؤاتية للحكم.

وردّ عليه عضو الوفد الأمير فاروق أبي اللمع الأمين العام لوزارة الخارجية في حكومته الدستورية: ان الحكم، يا عماد هو صيانة الجمهورية لا الاستمرار في قيادة جمهورية تحتاج الى قائد، وأنتم يا دولة الرئيس هو القائد.

بعد سنوات عاد الجنرال الى لبنان، وعقد تحالفا سياسيا مع حزب الله بقيادة أمينه العام السيد حسن نصرالله، هذا التحالف الذي صمد ونجح في معظم المجالات السياسية.

إلاّ أن العقدة ظهرت أخيرا، بعد تحريرالعسكريين في الجيش اللبناني، واعادة السلطة الى المؤسسة العسكرية بقيادة الجنرال جوزاف عون.

هل يريد جماعة في ١٤ آذار اعادة الحرب الى الجذور السابقة، وتجاوز التحالف السياسي بين القوى المناهضة للأسباب السابقة، واحياء التحالف غير المعلن بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري؟

ما هي قصة الخلاف الجديد؟

ويقول العارفون بالأسرار، ان مواقف رئيس الجمهورية تبدو مغايرة لمواقف الرئيسين بري والحريري، وان الحقبة الراهنة، تنطوي على وجوه جديدة، تبدو متباينة في بعض التفاصيل، ومنها ان مبادرة رئيس مجلس الوزراء عشيّة سفره الى موسكو، الى زيارة الرئيس تمام سلام في دار المصيطبة تشدّد على أهمية اللحمة بين سلام الذي حكم البلاد قرابة الثلاث سنوات، لدى احتجاز العسكريين عند داعش وفي أثناء وجود الرئيس سعد الحريري خارج البلاد.

هل كانت زيارة الرئيس سعد الحريري، للرئيس تمام سلام تبرئة غير مقصودة من بيت الوسط أم شهادة لصالح قائد الجيش العماد جان قهوجي، قبل احالته الى التقاعد، بعد التجديد له في منصبه لعدة مرّات.

إلاّ ان سعد الحريري خرج من المصيطبة قائدا سياسيا كبيرا، على غرار والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتوجه منها الى موسكو، وطلب في اليوم التالي من وزير الخارجية جبران باسيل تقديم شكوى باسم لبنان ضد اسرائيل التي حاولت وتحاول ان تمعن في الاساءة الى الوطن الذي تحرّر من أي نفوذ صهيوني في الحقبة الأخيرة.

هل ما حدث كان حوارا عابرا، أم عودة الى نقطة الصفر في الأزمات العادية؟

إلاّ ان العارفين بأسرار الأمور ربطوا الأزمة بمشكلة النازحين السوريين، كما ربطوها سابقا بأزمة اللاجئين الفلسطينيين قبل نصف قرن.

وهل في الأمر، نيّات غامضة تجاه مواقف الرئيس تمام سلام والعماد قهوجي، أم هي استمرار ل المراوحة السياسية في الصراع الآن بين الطائفتين السنية والشيعية، كما كان قبل نصف قرن بين الطوائف المارونية والأرثوذكسية والدرزية.

وهل المطلوب لجنة تحقيق برلمانية في كل ما جرى من أحداث، من أجل طيّ أزمات عابرة للأحداث، أم ان الأزمة السياسية تستيقظ مرة لتصبح طائفية أم لتكون حقيقة لبنانية.

ما حدث في مجلس الوزراء يوم الخميس الماضي، يوحي بأن الأزمة في مجملها سياسية، وترتبط بالسياسيين، لكن العماد ميشال عون تصرّف كرئيس للجمهورية، لا كمجرد مسؤول في دولة تبحث عن مسؤولين لا عن مسؤول واحد.

ويقول سياسي رافق الخلافات الأخيرة، انها فرضت نفسها على طاولة مجلس الوزراء، واستأثرت بالساعات الأربع. التي استغرقتها المناقشات الى ان تنضج بعد عودة رئيس المجلس الدستوري من الخارج.

أما في المواقف فقد أكد رئيس الجمهورية ان التحقيق في ما حصل في آب ٢٠١٤ بديهي وضروري وواجب، مستغربا بعض المواقف التي تحاول اغراق البلاد في المستنقع السياسي، لافتا الى ان التحقيق كما قال العماد عون، عسكري ولا يستهدف أحدا، انما هدفه طمأنة أهالي الشهداء وابعاد الحديث عن الثأر.

على صعيد آخر تقول أوساط سياسية مواكبة لما جرى، ان ما سيؤول اليه الطعن في قانون الضرائب للبتّ في مصير سلسلة الرتب والرواتب، يثير شكوكا حول المستقبل وان الرئيس الحريري حريص على الاستقرار الحكومي، وسيواظب على تفكيك كل لغم يتهدّد حكومته، كما ان انتظار الطعن في قانون الضرائب، يثير أيضا شكوكا واسعة في مدى تماسك الحكومة في حال اتخذ المجلس الدستوري قرارا يؤثر على الضرائب.

إلاّ أن ما جرى في جلسة مساء الخميس، من تباينات في المواقف، بين حزب الله والتيار الوطني الحر، حول بعض الأمور المتعلقة بالكهرباء، والصراع بين التيار والمستقبل والمردة يوحي بأن البلد لا يعيش في نمط سياسي واحد.

ويقول مفوض الحكومة لدى نشر الجيش القاضي صقر صقر ان التحقيق حول من أقدم على خطف العسكريين ومن أقدم على قتلهم، لا بد من ان يظهر في المستقبل وبعيدا من الأقاويل والاتهامات.

ويقول مراقبون أساسيون انه لا ينبغي الوقوف عند تجاوز أي مشكلة، لأن سقوط داعش في دهاليز الأزمة، يرجح كفّة القانون لا أرجحية التخمينات العابرة أو المرتجلة، أو الممعنة في اطلاق الأفكار العابرة وغير المبنية على أسس ثابتة!!

وتقول المراجع، ان الحكومة تترنّح بسبب ما تعرّضت له من الانتكاسات والخضّات، إلاّ أن كل المؤشرات تدلّ حتى الآن، على انها لن تسقط، حتى لو بقيت معلّقة في الهواء. انها معادلة الاستقرارالسياسي والحكومي، منذ بداية العهد، ومنذ قيام حكومة الوحدة الوطنية، وليس تراشق الاتهامات ونبش دفاتر ما جرى في معركة عرسال في ٢ اب ٢٠١٤ إلاّ أن رأس جبل الجليد الذي تقف أمامه حكومة المساكنة بين محورين متحاربين من لبنان الى الاقليم. والخضّات التي تعرّضت لها الحكومة برئاسة سعد الحريري وبمبادرة شخصية منه قد استوعب سبيل التفجير من أمام حكومة هشّة، ومحاطة بالكثير من الألغام. ولم يعد خافيا ان معظم التحالفات التي قام عليها العهد والحكومة قد اهتزّت من عين التينة الى موقع رئيس الجمهورية، كما تقول هدى شديد، إلاّ أن الحرص على الاستقرار الحكومي، من أسبابه الشعور بضرورة ديمومة التقارب بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية.