حدثني صديق أثق بتقديره للأمور٬ أنه عندما زار طهران مؤخًرا٬ قد أدهشه المستوى الاقتصادي المنخفض٬ الذي يعيشه أبناء العاصمة الإيرانية٬ فتساءل بينه وبين نفسه٬ كما روى لي٬ وقال: ما بال البعيدين عن عاصمة البلاد٬ إذا كان هذا هو حال المقيمين فيها؟!
ثم أدهشه أكثر٬ أن هناكَمْن همس في أذنه٬ بأنه٬ أي الصديق٬ محظوظ؛ لأنه يقيم في شمال طهران٬ ولأن جنوبها أكثر انخفاضا في مستوى حياة الناس!
من ناحيتي٬ لم أستطع أن أفصل بين ملاحظة صديقي٬ التي سبق أن قرأت عن موضوعها٬ في أكثر من مناسبة٬ غير أنها هذه المرة رواية شاهد عيان٬ وبين ما قاله محمد باقري٬ رئيس أركان حرب القوات المسلحة الإيرانية٬ في أثناء العرض العسكري الضخم٬ الذي أقيم في طهران٬ في ذكرى مرور 36 عاًما على اندلاع حرب الخليج الأولى٬ بين إيران٬ وبين العراق!
قال باقري٬ إن بلاده توظف خبراتها العسكرية٬ في خمس دول عربية٬ هي العراق٬ وسوريا٬ ولبنان٬ واليمن٬ وفلسطين٬ وأن هذه الخبرات تعود إلى حصيلة السنوات الثماني٬ التي دامت خلالها تلك الحرب!
ولم يذكر باقري شيًئا بالطبع٬ عن الطريقة التي توظف بها الحكومة الإيرانية٬ خبراتها العسكرية تلك٬ في الدول الخمس٬ وفي أي اتجاه بالضبط٬ ولصالح من على وجه التحديد؟!. هو لم يذكر شيًئا عن ذلك٬ وإن كان الحال في الدول الخمس٬ ينطق بالإجابة على أي سؤال٬ من هذه الأسئلة التي طرحتها٬ أو غيرها.
وأغرب ما في الأمر٬ أنه هو نفسه يعود ليقول٬ إن التاريخ يشهد بأن بلاده لم تكن البادئة بالحرب مع العراق٬ وأنها لم تبادر بالاعتداء على الأراضي العراقية٬ وأن ذلك يدل على أن الإيرانيين شعب مسالم!
وهو كلام٬ كما ترى٬ مناقض للكلام السابق عليه مباشرة؛ لأنه لا أحد يفهم٬ كيف تكون إيران مسالمة٬ ثم توظف خبراتها «العسكرية» في خمس دول عربية؟! إذ ينتج عن هذا التوظيف العسكري٬ قتل٬ وتدمير٬ وتشريد بالضرورة٬ وليس نموذج اليمن ببعيد على كل حال٬ وربما يكون أشد النماذج الخمسة بؤًسا وتعاسة!
فإذا رد أحد وقال٬ إن باقري كان يتحدث عن الشعب المسالم٬ لا الحكومة المسالمة٬ فسوف أقول إنها حكاية تستعصي على الفهم٬ أن يكون الشعب مسالًما٬ وأن تكون حكومته على العكس٬ اللهم إلا إذا كان الشعب الإيراني في عمومه٬ مغلوًبا على أمره٬ وأنه إذا أتيحت له الحرية الكافية٬ في أول انتخابات٬ سوف يزيح هذه الحكومة٬ ويأتي بحكومة مسالمة مثله!
كيف يكون المستوى في حياة الناس٬ على نحو ما رأى صديقي العائد من هناك٬ وعلى نحو ما روى٬ ثم تتسابق إيران في شراء السلاح٬ وفي تصنيعه٬ وفي استعراض العضلات على جيرانها في الخليج٬ وفي امتلاك النووي٬ وغير النووي؟! إذ لا بد أن هناك فرًقا٬ بين أن تمتلك الدولة٬ أي دولة٬ جيًشا قوًيا٬ لصد أي عدوان على أراضيها٬ لا للهجوم على أرض الجار٬ فيكون هذا كله من حقها٬ وبين أن تمارس الاستفزاز لجيرانها٬ في كل مناسبة٬ وتتحرش بهم٬ سياسًيا٬ في كل المناسبات٬ وهو أمر بدوره غير مقبول٬ وتعرف إيران قبل غيرها٬ أنه مرفوض٬ وأنه لن يجدي شيًئا في النهاية!
ثم إنها مسألة جديدة٬ أن تضاف فلسطين٬ إلى دول أربع٬ عشنا نرصد الدور الإيراني الهدام فيها٬ ونطالبها بالتوقف عنه. هي مسألة جديدة لأن لفلسطين حدوًدا مباشرة مع مصر٬ ولأن إيران لا تتوقف عن إرسال إشارات الغزل السياسي للقاهرة٬ في كل مناسبة تلوح في الأفق. ومن حقنا الآن٬ أن نقول٬ إن تلك الإشارات لا تتفق على الإطلاق٬ مع ما صدر عن باقري٬ حول دور قواته وبلاده في فلسطين تحديًدا٬ ومن خلال حركة حماس خصوًصا٬ مع ما هو مترسخ في الذهن٬ عن دور مرصود٬ لرجال في حماس٬ في 25 يناير (كانون الثاني) 2011!
كنت في الكويت ذات مرة٬ وكنا على مائدة غداء٬ وكان صديق جالس إلى جواري يقول وهو يشير إلى المائدة٬ إن الأطباق عليها متنوعة ما بين طبق عربي٬ وآخر إيراني٬ وأن ذلك إن دل على شيء٬ فإنما يدل على أن العيش مًعا ممكن٬ ومتاح.
قلت من جانبي٬ إن هذا مفهوم٬ غير أن المسؤولية كلها فيه٬ تقع على الطرف الآخر٬ في الشاطئ الشرقي للخليج العربي؛ لأن دول الخليج على شاطئه الغربي٬ لا أطماع لها٬ من أي نوع٬ في أرض إيران٬ بينما العكس غير صحيح٬ وليس أمام الحكم في إيران٬ إلا أن يثبت٬ أن هذا العكس صحيح؛ لأن لغة الهيمنة والسيطرة٬ التي تظهر في خطواته٬ مضى عصرها وانقضى!