Site icon IMLebanon

أنبوب غاز ومجرور على شواطئ المتوسط

 

جميع الكتل النيابية، السياديّة منها والممانعة والوسطيّة، بما فيها الكتلة الجَيب أو «الديفرسوار» الممانع الذي استحدثه حزب الله داخل الطائفة السنيّة، شاركت في الاجتماع الذي عقدته لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه عند الساعة العاشرة من قبل ظهر يوم أمس الإثنين. المجتمعون من وزارات وسلطات إدارية معنيّة وقضائية وإتّحادات بلديات وممثّلون عن هيئات بيئية، الذين ناهز عددهم الخمسين مسؤولاً، «هالهم  ما تعرّضت له هذه المدينة الغنّاء الهادئة الحالمة على ضفاف المتوسط»!!!!، فعبّروا في مشهديّة استعراضية عن رغبتهم في تحديد الجهات المسؤولة عن المخالفات والارتكابات والقبض على «المجرم الذي أقفل المجرور». تعيدنا هذه الاندفاعة للاقتصاص من الفاعل بمشهد مقتل الحكيم الفارسي «بزرجمهر» على يدّ الملك «كسرى» والتي جسّدتها قصيدة شاعر القطرين خليل مطران.

المجرور الذي انفجر بوجه السياسيين على اختلاف انتماءاتهم شكّل نقطة التقاء انعكست هدوءاً غير مسبوق على الخطاب السياسي. فعادةً، يتحيّن السياسيون الفرص لفتح المنابر للاستثمار السياسي والاتهامات المتبادلة، أما والحال هذه فيبدو أنً لكلٍّ مجروره بما لم يسمح لأي منهم بالتمادي ورفع الخطاب. لم يتمكّن المجتمعون من توجيه الإتهام لأيّة جهة. أجل أزال الشتاء بصمات الجاني، فأفضت الجلسة إلى الادّعاء على مجهول ورمي الكرة عند القضاء وتكليفه بالمتابعة، حيث يخرج الموضوع من التداول وربما يدخل في غياهب النسيان لعدم كفاية الدليل ولعدم إمكانية التشكيك بالقضاء، وربما تتحوّل قضية المجرور بنداً رئيساً في البيان الوزاري.

في اليوم عينه الذي ناقش فيه أكثر من خمسين مسؤولاً لبنانياً قضية المجرور، كشفت القناة الثانية في إسرائيل أنّها وقّعت اتفاقا تاريخياً مع اليونان وإيطاليا وقبرص لمدّ خط غاز يربطها بأوروبا، بدعم من الاتّحاد الأوروبي، بعد عامين من المفاوضات. الخط هو الأطول في العالم، بطول ألفي كيلومتر، وسيتيح لإسرائيل تصدير الغاز للدول الموقّعة على الاتّفاقية ولدول البلقان ودول أوروبية أخرى. وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شاتينتز، عقّب على الاتفاق: «كنا نشكو على مدى عقود من النفوذ العربي في أوروبا، في ما يتعلّق بقطاعيّ النفط والغاز، تصدير الغاز إلى أوروبا سيقوّض هذا التأثير إلى حدّ ما، وسيكون قوة موازيّة للقوة العربية». وأضاف إنّ بلاده التي تنتج الغاز الطبيعي عبر أكثر من 7 حقول قبالة سواحل البحر المتوسط ستكون دولة مصدّرة للغاز الطبيعي بحلول العقد القادم نحو أوروبا الغربية، خط الأنابيب سيربط الحقل الإسرائيلي «ليفياثان» مع «أفروديت» القبرصي، وحقول الغاز الأخرى في المنطقة بين اليونان وإيطاليا.

الدول الأوروبية عينها، التي كانت قد وقّعت مع إسرائيل بمشاركة وزراء الطاقة من قبرص اليونانية واليونان وإيطاليا، وممثّلين عن الاتّحاد الأوروبي، في 5 ديسمبر 2017 بمدينة نيقوسيا في قبرص اليونانية على «الإعلان المشترك» القاضي بتعزيز العمل الهادف إلى مدّ الخط البحري لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا في غضون ثماني سنوات وبتكلفة تصل إلى نحو 7 مليارات دولار، رأت في الأنبوب/ المشروع الإسرائيلي تنويعاً في مصادر الطاقة يخرجها من الضغط التركي ومن الهيّمنة الروسية على مستقبل التزوّد بالطاقة.

في إسرائيل يجتمع وزير الطاقة مع ثلاثة وزراء أوروبيين لبناء أنبوب بطول ألفيّ كيلومتر لنقل الغاز الى أوروبا، وفي لبنان يعجز خمسون مسؤولاً عن فتح مجرور ونقله لمسافة لا تتجاوز الكيلومترين. في إسرائيل يغيّر مشروع بقيمة 7 مليارات دولار وجهة الاقتصاد الإسرائيلي، وتحاول إسرائيل الدخول ليس من باب المنافسة بل من باب المشاركة على الأقل في تزويد أوروبا بالنفط فالمشروع ستنضم حكماً إليه دول عديدة من حوض البحر المتوسط، بينما لم تضف عشرات المليارات للبنان سوى المزيد من الظلمة والنفايات وشهوات لا تنتهي وبطون لا تشبع.

الشخصيات المتنوّعة الانتماء التي اجتمعت اليوم في المجلس النيابي والتي هُزمت أما مجرور هي عيّنة عن حكومات لبنان والحكومة المقبلة، فيما لو شُكّلت، التي هزمت وستهزم كلّ يوم أمام أي استحقاق.

مجرور الرملة البيضاء الذي يقف المسؤولون أمامه صفاً واحداً متضامنين متكافلين هو عنوان لسقوط الأخلاق وسقوط الدولة في وطن لم يعدّ للحياء مكان فيه.

s* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات