كانت الانتخابات البلدية مهمّة من أجل توفير بريق أمل للبنانيين. بريق أمل بأن دولتهم، اي الجمهورية اللبنانية، لم تمت بعد وان هناك بقية مؤسسات لا تزال تعمل.
نجاح المرحلتين الاولى والثانية من الانتخابات البلدية تجعل اكثر من ضروري التركيز على الخطر الحقيقي الذي يواجه البلد. يتمثّل هذا الخطر في السلاح غير الشرعي لدى ميليشيا مذهبية اسمها «حزب الله» ليست في واقع الحال سوى لواء في «الحرس الثوري» الايراني الساعي الى وضع اليد على لبنان عبر «المؤتمر التأسيسي» الذي سبق ان روّج له الامين العام لـ»حزب الله».
يُستخدم هذا السلاح في عملية تتجاوز الانتخابات البلدية هدفها اقامة نظام جديد في البلد على انقاض اتفاق الطائف، الذي في اساسه مبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين.
وفّرت الانتخابات، في هذه الظروف بالذات، دليلا على وجود ارادة لدى الرئيس سعد الحريري تفضي الى اعادة الحياة الى الحياة السياسية في البلد. انّه فعل مقاومة لمحاولة القضاء على لبنان وتغيير نظامه. استطاع الوزير نهاد المشنوق ترجمة هذه الارادة وفعل المقاومة هذا الى واقع، وذلك بعدما نجحت وزارة الداخلية في اجراء الانتخابات البلدية في ثلاث محافظات حتّى الآن.
اثبت المواطن اللبناني على الرغم من كلّ الظروف الصعبة التي يمرّ فيها، وعلى الرغم من الانعكاسات السلبية الناجمة عن تدفق اللاجئين السوريين، انّه يتوق الى ذلك اليوم الذي يعيش فيه في وطن طبيعي تعمل فيه مؤسسات الدولة بشكل منتظم. هل يبقى ذلك حلما؟
من هذا المنطلق، يبدو تحدي ما بعد الانتخابات البلدية اجراء الانتخابات الرئاسية، وليس انتخابات نيابية لا هدف منها سوى قطع الطريق على الاتيان برئيس جديد للجمهورية.
بعد ايّام قليلة، تكون مرّت سنتان على الفراغ الرئاسي. غادر الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا في الخامس والعشرين من ايّار 2014، في اليوم الذي انتهت فيه ولايته. دفع غاليا ثمن مواقف اتخذها في السنوات الاخيرة من عهده، خصوصا اصراره على «اعلان بعبدا» الذي وافق عليه «حزب الله» ثم تراجع عن هذه الموافقة. تراجع الحزب بعدما اكتشف ان ما ورد في هذا الاعلان يشكّل افضل حماية للبنان واللبنانيين ولمستقبل اولادهم في ظل ما تشهده سوريا منذ العام 2011.
كشف تراجع «حزب الله» عن موافقته على «اعلان بعبدا» انّ حماية لبنان واللبنانيين آخر ما يهمّه. ارتكب اكبر خطيئة في تاريخ لبنان الحديث عندما ارسل عناصر لقتال الشعب السوري في سوريا. لم يكن هذا الفعل جريمة في حقّ سوريا والسوريين فحسب، بل كان ايضا جريمة في حقّ لبنان وذلك بازالته الحدود بين بلدين مستقلّين. تجاوزا الدولة اللبنانية وسيادتها من جهة وعمل من اجل حلف الاقلّيات من جهة اخرى.
لم يكن تصرّف الحزب في سوريا مستغربا على الرغم من فظاعة ما فعله. من يرفض تسليم المتهمين باغتيال رفيق الحريري، على رأسهم «القدّيس» مصطفى بدر الدين، الى المحكمة الدولية يبدو مستعدا لعمل كل شيء، بما في ذلك ضرب الحائط بالحدود المعترف بها دوليا للجمهورية اللبنانية، التي كانت في الماضي جمهورية سعيدة. قتل مصطفى بدر الدين في سوريا في ظروف غامضة. كان احد المتهمين الرئيسيين في تنفيذ عملية اغتيال رفيق الحريري ورفاقه. ستظل لعنة الحريري ولعنة لبنان ترافق كلّ من ارتبط من قريب او بعيد بهذه الجريمة ان في لبنان او في سوريا وايران.
كشفت الانتخابات البلدية انّ لبنان ما زال يقاوم وان اللبنانيين لم يضيعوا البوصلة. من أهمّ ما شهدته هذه الانتخابات ذهاب وزير الداخلية الى عرسال في يوم الاقتراع لتأكيد ان عرسال جزء عزيز من لبنان وانّ اهلها لبنانيون اصيلون يدافعون عن لبنان ويقفون مع طموحات الشعب السوري، هذا الشعب المظلوم الذي يوجد من يريد تصويره بانّه «عصابات تكفيرية».
من حسن الحظ انّ هناك من يعرف ماذا يحاك للبنان. لذلك، يبدو مفيدا البناء على الانتخابات البلدية، على ان تكون الخطوة المقبلة انتخاب رئيس للجمهورية.
لعلّ افضل طريقة لتحقيق هذا الهدف منع مجلس النوّاب من انتخاب رئيس جديد للجمهورية بحجة ان المطلوب التخلّص من اتفاق الطائف. هذا ما يسعى اليه «حزب الله» بكلّ بساطة. لم يعترض الحزب على الانتخابات البلدية ولن يعترض على الانتخابات النيابية. اعتراضه على الانتخابات الرئاسية اوّلا واخيرا. انّه يحاول ذر الرماد في عيون المسيحيين عن طريق تصوير ان اتفاق الطائف أخذ من صلاحيات رئيس الجمهورية وان اي اتفاق جديد مكان الطائف يجب ان يعيد الى رئيس الجمهورية بعض الصلاحيات التي فقدها!
لا يمكن الّا الترحيب بالانتخابات البلدية، خصوصا انّها كشفت وجود حراك مدني شيعي في وجه ثقافة الموت التي يسعى «حزب الله» الى تعميمها لبنانيا.
في كلّ يوم، يكشف اللبنانيون انّهم شعب مقاوم بالفعل وان شعار «المقاومة» الذي يرفعه «حزب الله» لا ينطلي عليهم. المقاومة الحقيقية هي تلك التي تعيد ربط لبنان بثقافة الحياة. المقاومة الحقيقية في نهاية المطاف هي التي تعمل من اجل انتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل غد وذلك من اجل احباط المخطط التوسّعي الايراني الذي يهدّد بالقضاء على لبنان، تماما مثلما قضى على سوريا وقبل ذلك على العراق بمشاركة «الشيطان الاكبر» وليس بمشاركة احد غيره.