IMLebanon

نحو قمة عالمية في إفرست

 

ما مستقبل لبنان وفلسطين والعرب والعالم بعد هذا التاريخ المشبع بالدماء عبر 8 قرون؟

بلغت الحربان العالميتان قمم التورّط والإيغال في القتل والتهديم وشقع الأحزان وفشلت المنظمات والشرائع الدولية في صون حقوق الإنسان وأبسطها الحق بالحياة. نقرأها عبر كتب التاريخ ونحاضر فيها ونعلّمها في جامعات العالم ونكتبها أجيالاً إثر أجيال كتباً ومقالاتٍ وأفلاماً فشلت في إيقاظ البشرية عبر الشاشات المعاصرة اليوم وكأنها أرضنا اللبنانية مهبط الحروب الأبدية التي لا بدايات ولا نهايات لها عبر هذا التاريخ… الذي لا يوصف.

 

دعوني أتنفّس قليلاً لأمسح دمعتي على لبنان ودموع الحبر العربي بحوراً لم تعرف الجفاف.

أمسح دمعتي والحبر السخيف حيال سفك الحياة والخرائب والتدمير في لبنان، نعم لبنان الذي كان يتشاوف بكونه زهرة الشرق، بانتظار الإنتخابات الرئاسية الأميركية المحيّرة بين الجمهوريين والديمقراطيين بعد 10 أيام وهو تاريخ تتطلّع إليه معظم البشرية لكنه سيتابع خطاه بالمجازر ولن يتركّز قطعاً بانتظار تفاهمات الدول الكبرى وانتظارات المتعثرة الصغرى.

إسمعوا: هاتفني صديق من الولايات المتحدة قائلاً بحزن: «عليكم في لبنان الإنتظار حتى ما بعد الإنتخابات الإسرائيلية القادمة فتحسّبوا للملمة الفواجع عاماً جديداً أو أكثر».

 

ما هذا الجحيم الذي وُلدنا فيه وهربنا منه وإليه عدنا ونعود؟

نعم: ما هذا؟

إنّه السؤال الذي يُردده صغيرك أو حفيدك أو جدّك أو أبيك وأخوك مرتجفاً باكياً ويردّده أطفال لبنان وعائلاتهم النازحة من تحت الردم في الأبنية والضواحي المهدّمة أو فوق الأدراج والأقبية والخيم والساحات والشوارع وفي المدارس عبر مساحات لبنان.

وُلدت في قرية الكفير في الـ1948 قبالة جبل الشيخ أو حرمون الذي يعلو 2294 عن سطح البحر وحفظت السؤال عينه قبل كلّ القصائد والفروض المدرسية:

ما هذا؟ ما هذا؟

خلافاً لأشقائي الأربع راجح ومفيد وعاطف رحمهم لله ونائل الذي لم ينل شيئاً سوى القعود قبالة حرمون في قعر الجنوب تحرسه ريتا هناك. كان أبي ينهرني طفلاً فطناً عند حلول الظلام وبصوتٍ عالٍ يلفّه بل يسكنه الخوف، بأن أسدل الستائر العتيقة فوق نوافذ منزلنا المعلّقة بقضبانٍ من الحديد الصدئة. حفظت المهمة المُقدّسة أفضل من استظهارات القصائد لكوني وُلدت هناك مع مأساة كان وما زال إسمها العربي والعالمي والتاريخي فلسطين. تطوّرت المهمة بدهن زجاج النوافذ بالطلاء الأزرق حجباً للضوء ولصوت الديك. هكذا نشأت في مناخ جنوبي يلفّه الخوف ألوذ بشروق الشمس صباحاً خلف جبل الشيخ وأتسلّح بأخبار جدّنا كما يقولون فارس الخوري الذي تزوّج من فلسطينية وكان الحقوقي البارز مشاركاً في تأسيس الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية والمنتديات الدولية ومناضلاً مع ممثّلي دول العرب الأوائل في الدفاع عن حقوق فلسطين والعرب.

نجحت في الشهادة الإبتدائية وكنت أحلم وما زلت بقمّة دولية يجتمع فيها من هم من طراز جدّنا من العالم في «إفرست» القمّة التي جذبني إليها أستاذ الجغرافيا المرحوم دانيال سعد بكونها تتجاوز أعلى قمّة في الدنيا 8848م يجتمع فيها أصدقاء جدّنا تحت مراقبة خالق هذا الكون وحكمته، لربّما يعمّ السلام ويتم الإعتذار من الضحايا والمشوهين والمهجّرين والمُغادرين بيوتهم وأوطانهم بسبب الحروب المتناسلة التي تزخر به كتب التاريخ.

 

كنت أحدّق بالكرة الأرضية صغيراً وكانت تلك الكرة من التنك المزخرفة بدول الأرض وأسمائها تحتل طاولة مدير المدرسة رجا أبو رزق رحمه لله تدور كما اللعبة بإصبعك لكأنها الرأس البشري الفارغ أبداً حيال معضلات التاريخ وحروب البشر. ألملم هذه الصور في لبنان اليوم حالماً بإعادة الإعمار النفسي والجسدي والعمراني للأطفال المبعثرين عبر لبنان سائلاً:

ماتت والدتي حالمةً بزيارة كنيسة المهد بالقدس وكنت أحلم يافعاً بمغادرة قريتي «جورة السنديان» كما وصفتها عرّابتنا الأديبة اللبنانية إميلي نصرلله نحو دول العالم.

وغادرت حاملاً قولاً لبدوية لم تستقرّ في الأرض في المجال بل تقضي حياتها مع عائلتها من خيمةٍ إلى خيمة:

«إن كنت في غير وطنك فلا تنسَ نصيبك من الذل»، قول لطالما حفظته وخططّته وألصقته لوحةً فوق رأسي عندما غادرت الخوف من الجنوب إلى باريس لأتعلم وفي جيبي 3 آلاف ليرة لبنانية فقط لا غير ومن دون أية منحة ومن باريس نحو المشقة في رحاب العالم المجنون.

هكذا أتابع في تحرير نصّ أعتقده مذكّرات بليدة لم تمت بعد 77 سنة أشاركها القرّاء معتذراً لأنّ الكتابة لا قيمة لها اليوم حتّى ولو كانت مدفوعة فإنها لا تسدّ نصف فاتورة كهرباء العتمة اللبنانية ومراكمة الجثث حولك وأمامك والأطفال النازحون بلا عائلاتهم ومن يُعيلهم عندما يطالهم القصف عبر الطائرات المحمّلة بالصواريخ التي تتجاوز الهزّات الأرضية محقّرةً حسابات ريختر فتتحوّل القصور والبيوت والقرى والمدن قبوراً وأكواماً لم نقرأ عنها في الحروب الغابرة إلاّ اليسير خجلاً من شيم المستقبل واللاإنسانية المستشرية.

إنّه نص مقيم مخنوق في الحناجر يرتدي بأصابعي أزمنة قهّارة عاجزة حيال أزمنة مشبعة بدماء الأطفال وبؤسهم في التراب مقتولين مخنوقين جائعين صارخين قبل أن تلتقط ألسنتهم الأبجديات ولا آذان للعظماء سوى صمّاء تسمعهم أو تفهمهم ولي كهلاً أن أحقّر هذه «العظمة الدولية» بفشلها بين قوسين.

يا لأزمنة التفاهة في الأرض!!!!!!!! وتفاهات القوانين الدولية والعدالة والأخلاق والسياسات وكيفيات وقعها بعد في آذان البشرية.

لماذا؟..

مجدّدا،

لأنّ التشبّث بالقتل حسماً للصراعات الموغلة في التاريخ حتّى بين أعتى الدول وأعقل الحكّام وأكثرهم جنوناً يمحو مسألة «الحق بالحياة» المقدّسة أساساً في الفكر الديني والفلسفي والعلمي وحتى الطبي لكأنهم يخلعون الإنسانية من معانيها ومشتقاتها، في ظلّ انتخابات أميركية يتراشق فيها الأميركيون مختلفين على الحق بالإجهاض.

متى تشبع الأرض وتعيا الغرائز السلطوية من العنف؟

من يقنعنا بعد عمّا يعنيه للشعوب مجلس الأمن وميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإتّفاقيات جنيف للعام 1949 والمجلس الاقتصادي والإجتماعي للأمم المتحدة وقرارات المؤتمرات الدولية وحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف والمنظمات الحكومية وغير الحكومية؟

ماذا تعني لكم كلمة المجتمع الدولي في المدارس والجامعات والمحاضرات والمقالات؟

كيف ومتى تتوفّر في الدنيا إمكانيات العيش في أرض وفضاء واحد زاخر ولو بقشور السلام والعدالة الإنسانية السياسية والإجتماعية؟

إذا كانت الأسئلة هي الأطفال بمعنى الحياة فإنّ الجواب في تجليّاته الذكية هو الموت.