IMLebanon

رحيل كبير من بلادي

لم أعرف فؤاد بطرس شخصياً، عرفته من غسان تويني الذي كان صديقاً له من أبواب عدة: لبنان والاشرفية والسياسة والديبلوماسية والارثوذكسية. والارثوذكسية تعني أيضاً الطريق القويم، وهو ما كان فؤاد بطرس وغسان تويني، كل على حدة، يسعى اليه لبناء مؤسسات تليق بوطن الارز، ولتثبيت مبادىء الديموقراطية بما هي تعدد وتنوع وقبول للآخر. معهما، وفي كتب التاريخ، يمكن ان نستعيد ماضي الايام الجميلة لهذا البلد. يبقى من ذلك الرعيل قلائل، منهم الرئيس حسين الحسيني والوزير ميشال اده أطال الله بعمريهما.

نُسب اليه تشاؤم دائم، وكان يتمنى قيام دولة في لبنان، ويوم سئل عن الشعور بالمواطنة بين اللبنانيين، سأل بدوره كيف تقوم مواطنة بلا وطن، بلا دولة مؤسسات؟. وكان يشرح “انو وين ما كان في دولة” لكنها ليست الدولة بمعناها العلمي القانوني. بالمعنى العلمي الصحيح الدولة شيء يلتف حوله المواطنون متفقين على ضرورة وجوده وعلى انه الكلمة الفصل وله حق حصري في استعمال القوة.

اليوم يغادرنا فؤاد بطرس، وهو يحلم بتلك الدولة. ومن المؤسف ان تتعاقب أجيال من غير ان يتحقق الحلم، وربما صار أبعد في زمن الحرب وما بعدها، بعدما انهارت القيم والمفاهيم، وغابت لغة العقل، وسيطرت الميليشيات التي سرعان ما ارتدت اللباس المدني وأبقت ممارساتها داخل مؤسسات الدولة.

في كل يوم نترحم على الرئيس فؤاد شهاب باني المؤسسات، وعلى ذلك الرعيل من السياسيين، ونأمل في أن تتمكن وجوه شابة من قلب المعادلة القائمة واعادة اظهار وجه لبنان الحقيقي. اليوم يغادرنا كبير في زمن ندر فيه الكبار.