بات واضحاً أن الواقع السياسي الداخلي بات مفتوحاً على أزمة جديدة، انطلاقاً من الإنقسام الحاصل حول مواقف رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري، من سلاح «حزب الله»، مما يجعل من مرحلة التضامن الشامل التي سادت في الأسابيع الماضية، على طريق الزوال على الرغم من كل الضمانات والتطمينات الأخيرة، وذلك بحسب مصادر سياسية مطلعة على عمليات التموضع التي تقوم بها وقامت بها قيادات بارزة وأحزاب في فريقي 8 و14 آذار على حد سواء. وتؤكد هذه المصادر، أن الموقف الرسمي المعلن من الحزب إزاء ما طرح أخيراً من قبل الرئيس سعد الحريري، يتصل على نحو وثيق بالتطوّرات المحلية، كما الخارجية، التي سجّلت على هامش الإستقالة من الرياض من جهة، وبنتائج المفاوضات التي جرت بين رئيس الجمهورية والحزب، وبين مقرّبين من الرئيس الحريري ومن الحزب أيضاً من جهة أخرى.
وتوقّعت أن تعود الأمور إلى طبيعتها اعتباراً من الأسبوع المقبل، على أن تكون جلسة الحكومة هي المدخل الفعلي لاستعادة مشهد ما قبل الإستقالة. وتزامناً، فإن حملة الإتهامات بالخيانة والتراجع عن الثوابت وعدم الوفاء، هي في طريقها إلى الزوال أيضاً، وذلك نتيجة مساعٍ بعيداً عن الإعلام لترميم العلاقات ما بين مكوّنات حكومة الوحدة الوطنية، بعدما قطع رئيس مجلس النواب نبيه بري الطريق على كل محاولات التعديل الحكومي.
ومع أن المعلومات المتوافرة لدى هذه المصادر، تشير إلى أن البيان المرتقب صدوره حول النأي بالنفس، لن يلحظ تغييرات بارزة من حيث المعنى والجوهر لما كان أعلن في البيان الوزاري لحكومة الحريري، فهي تؤكد بأن موقف رئيس الحكومة الأخير حول سلاح «حزب الله»، يأتي عن قناعة تكوّنت لديه على مدى السنوات الماضية، وليس فقط خلال الأزمة الحكومية الأخيرة، وهي تنطلق من عدم الرغبة في فتح أي خلاف أو الإشتباك السياسي مع الحزب، لأن مثل هذا الأمر ستتحمّل نتيجته الساحة اللبنانية فقط، ولو كانت المسبّبات هي إقليمية وخارجية.
ومن هنا، فإن المصادر السياسية المطلعة نفسها، تشير إلى أن معادلة التسوية الرئاسية التي أرساها أركان الحكم منذ عام، ما زالت من أكثر الصيَغ ترشيحاً للإستمرار، ولو مع بعض «الروتوش» الذي يحقّق أهداف وغايات التريّث.
وإذ تتحدّث هذه المصادر، عن أن الأمور ليست سهلة بالنسبة لأي تعديل في التسوية القائمة، تشدّد على أن الضمانات التي تم إبلاغها للحريري، كافية لتمرير كل ملابسات الأزمة وتقصير فترة التريّث. وبالتالي، فإن ملاقاة شروط الحريري من قبل الحزب، والتطمينات التي حصل عليها بمعالجة أي خلل أصاب التسوية من قبل رئيس الجمهورية، قد جعلت من الكرة اليوم في ملعب رئيس الحكومة، علماً أنه مطّلع بكل مهامه بصرف النظر عن إشكالية التريّث. كذلك، تعتبر المصادر نفسها، أنه بعدما تم ضمان الحد الأدنى الممكن من استمرار الإستقرار الداخلي، واستبعاد تحوّل الساحة اللبنانية إلى مسرح لتصفية الحسابات الإقليمية، فإن هامش التحرّك لدى أركان الحكم للتوافق بات مفتوحاً على كل السيناريوهات التي يلتقون عليها، ويعتبرون أنها تؤمّن تحصين لبنان سياسياً وأمنياً واقتصادياً في مرحلة رسم التسويات في المنطقة.