المشهد السوري صار كونياً كما أريد له أن يكون منذ ربيع العام ٢٠١١. ففي السماء زحام طائرات حربية متعددة الجنسيات تقصف ما تختاره لها غرف العمليات من أهداف. وعلى الأرض زحام مسلحين من كل الجنسيات يقتلون ويقاتلون ويتقاتلون تحت رايات وعناوين من ماضٍ لا يمضي، وحاضر لا يحضر، ومستقبل لا يقبل. وفي كواليس المنطقة والعالم لقاءات وخرائط طريق لتسوية سياسية كان ولا يزال الهرب منها الى الخيار العسكري أمر اليوم بلغات عدة. ولا شيء يوحي أن ما يبدو واضحاً جداً في المشهد يقلل من الغموض بالنسبة الى الصورة النهائية في اللعبة المفتوحة.
ذلك أن ما بدأ حراكاً سياسياً من أجل الاصلاح والانتقال الديمقراطي للسلطة انتهى الى صدام مشاريع اقليمية ودولية في حرب سوريا. وهو صدام جعل الحرب أكبر من سوريا والتسوية أصغر منها. فالمرض الذي كان الاصلاح السياسي يكفي لعلاجه، ازداد خطورة وتعرض ل اشتراكات متعددة، بحيث صار في حاجة الى علاجات من صيدليات اقليمية ودولية. وأصحاب هذه الصيدليات فتحوا أبواب مخازن الأسلحة وأرسلوا كل أنواع المسلحين للقتال مع النظام وضده، ومع المعارضين وصدهم.
والأولوية لمشاريع القوى الاقليمية والدولية في صراع جيوسياسي في سوريا وعليها وبالتالي في المنطقة وعليها. ولا حساب في هذه اللعبة الا للأرباح أو الخسائر الاستراتيجية. فلا تهجير نصف الشعب السوري، وقتل نحو ثلاثمئة ألف مواطن، وتدمير العمران، وتخريب النسيج الاجتماعي الوطني، سوى أرقام في سجلات الصراع الجيوسياسي. ولا الحرب على الارهاب، برغم أهميتها والحاجة الى أوسع تحالف لخوضها، تختصر المشهد السوري.
والسؤال، وسط التسابق على محاربة داعش، هو: هل دقت ساعة الانتقال من سياسة الاحتواء الى سياسة القضاء على التنطيم الارهابي؟ هل انتهت عملياً وظيفة داعش؟ والى أي حد يمكن أن تقود عملية فيينا الى تسوية سياسية ولو كانت دون مستوى الأزمة والحرب؟ الجواب المكتوب على الجدار هو ان كل الذين يمارسون القصف الجوي، بصرف النظر عن نوع الاهداف التي يضربها الأميركان والروس والبريطانيون والفرنسيون، يعترفون بأن الطيران لن يكفي لانجاز المهمة من دون قوات على الأرض. وليس بينهم من هو مستعد لارسال قوات مقاتلة.