الى أي مدى يمكن أن تؤثر الضربة العسكرية الاسرائيلية التي استهدفت مسؤولاً كبيراً في الحرس الثوري الايراني وقياديين في “حزب الله” في منطقة القنيطرة السورية في الجولان المحتل، على الوضع العام في لبنان؟
كان السؤال طبيعياً في ظل تداعيات محتملة لحدث كبير كهذا، ولا سيما أن المعني المباشر به، مكوّن أساسي من المكونات السياسية والحزبية في لبنان. أي “حزب الله” وبالتأكيد إيران. وأول ما يتبادر الى الأذهان هو احتمال تحريك “الجبهة” على الحدود اللبنانية الجنوبية. فالاعتداء الاسرائيلي الجديد يعطي “حزب الله” حق الرد، من “الجبهة التقليدية” أولاً، أو في أي مكان آخر تحدده قيادة “المقاومة الاسلامية” التي أثبتت على مرّ السنين أنها لا تتسرع في الردّ، ولكنها في النهاية تردّ ولا تترك الموعد مفتوحاً الى ما لا نهاية على طريقة “لن نسمح للعدو أن يفرض علينا توقيت المعركة بل نحن من يحدد طبيعة الرد في الزمان والمكان المناسبين”… وتلك العبارة التقليدية التي تحوّلت الى لازمة معروفة، وفق تعبير محلل عسكري وهو ضابط متقاعد – باتت تعني عدم الرد “لكثرة تكرارها بعد كل عدوان إسرائيلي. والمرة الأخيرة وردت بعد ضربة عسكرية إسرائيلية استهدفت مواقع عسكرية في العمق السوري، مع فارق غير بسيط هذه المرة، هو أن البيان الرسمي السوري المقتضب الذي أعقب الاعتداء الاسرائيلي الجديد، وضعه في إطار “التناغم” مع “الجماعات الارهابية والتكفيرية المسلحة”، وبدا هذا الربط طبيعياً من حيث الجغرافيا والتوقيت، وقد استغله الجانب السوري الرسمي في معركته ضد معارضيه وضد تلك الجماعات.
وعلى الصعيد السياسي اللبناني، فقد كانت الردود متشابهة ولا سيما أن “حزب الله” لم يكن المبادر بل تعرّض لاعتداء اسرائيلي، ولو كان هو المبادر، لكان تعرّض لحملة كبيرة على خلفية “تورطه في الحرب السورية دعماً للنظام” وفق معارضي هذا “التورّط”. وثمة سؤال طرح في أوساط سياسية وإعلامية عن المستهدف الرئيسي في العملية الاسرائيلية: هل هو “حزب الله” أم الحرس الثوري الإيراني؟ وهو في رأي مراقبين من باب “لزوم ما لا يلزم”. ويرى هؤلاء أن السؤال الأهم الذي يفترض أن يجد جواباً، يجب أن يكون عن الخرق الاستخباري الذي أتاح للمخابرات الاسرائيلية معرفة هوية الموكب العسكري القيادي وموعد وصوله الى المكان حيث أصيب مباشرة. وقد بدأ “حزب الله” تحقيقاته فور الاعتداء، وبدا واضحاً أن ثمة خرقاً أكيداً أتاح إصابة الموكب مباشرة.
ولئن تكن الردود توزعت بين من توعد بالرد “الأكيد” من جهة، ومن كرر السؤال عن مبرر “تورّط حزب الله في الحرب السورية” من جهة أخرى، فإن تلك الردود تقاطعت عند إدانة العدوان الإسرائيلي. وفي سياق تعليقها، تقول أوساط مستقلة قريبة من فريق 14 آذار أن “من الطبيعي أن نكون ضد أي عدوان إسرائيلي”، ولكنها في الوقت نفسه تكرر موقفها الرافض “تورّط حزب الله في سوريا دعماً
للنظام”.
وأياً تكن المواقف من هذا التطوّر الخطير فإن الوضع بعده سيبقى مفتوحاً على كل الاحتمالات، والأمور ستكون رهناً بحجم الرد وتوقيته ومكانه وبالموقف الإيراني منه، وفي الانتظار فإن السؤال هو: هل يكون الرد موضعياً أم بداية لحرب “إقليمية”؟ وهل لدى إيران و”حزب الله” القدرة على تحمل تداعيات قرار بهذا
الحجم؟
وسط هذه الأجواء تستبعد أوساط حكومية مواكبة للحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” انعكاسات مباشرة للتطوّر الأخير رغم خطورته، على مجريات الحوار، وترى أنه “ينبغي أن يشكل حافزاً للمضي قدماً في هذا الحوار، وتذكّر بأنه “ليس سراً أن مشاركة حزب الله في الحرب السورية هي موضع خلاف بين الطرفين”، وتلفت الى أن هذا الحوار، على الرغم من كونه في بداياته، ترك انعكاسات ايجابية وتأثيرات لافتة في أكثر من محطة، وقد بدا ذلك واضحاً في الأسابيع القليلة الماضية، وسيكون كذلك في المدى المنظور (في إشارة الى ضبط الوضع في سجن رومية والخطة الأمنية المتوقعة في البقاع الشمالي).
وترى الأوساط نفسها أن “عدوى الحوار” يجب أن تنسحب على الجميع، وأن هذا الحوار، ولا سيما عندما يبدأ مباشرة بين المرشحين الرئاسيين ميشال عون وسمير جعجع “يُفترض أن يسجل تطوراً في اتجاه انتخابات الرئاسة” وتكرر موقف رئيس الحكومة تمام سلام الداعي الى إجراء الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت.