Site icon IMLebanon

نزاع قضائي بين المجلس الشيعي وشمس الدين: من «يملك» مسجد الطيونة؟

«انفجرت» أخيراً بين الوزير السابق إبراهيم شمس الدين والمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى. منذ وفاة والده، استأثر شمس الدين برئاسة الجمعية الثقافية الخيرية وعقاراتها، ومنها مسجد الامام الصادق في الطيونة. الأخير بات مثار نزاع قضائي: المجلس يعتبره تابعاً للوقف، والوزير السابق يعتبره ملكاً لجمعيته التي تعمل على بناء جامعة، يتردّد أنها مموّلة أميركياً، على تخوم المسجد

«سقط» مسجد الإمام الصادق، داخل «مجمع الإمام محمد مهدي شمس الدين» في شاتيلا، في يد المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. بحسب المعلومات، فإن حسين دمشق، المسؤول الإداري عن وقف المسجد الذي عيّنه المجلس حديثاً، نفّذ الجمعة الماضي قراراً قضائياً بضم المسجد إلى أوقاف المجلس.

بعد مقاومة خفيفة من قبل الوزير السابق إبراهيم شمس الدين، رئيس الجمعية الثقافية الخيرية التي يتبع لها المسجد، وحراس المجمع، انتقلت إدارة شؤون المسجد من الجمعية إلى المجلس، على أن يكون متولّي الوقف إمام المسجد الحالي الشيخ عبد الأمير شمس الدين (عم إبراهيم وبينهما خلافات) ونائبه دمشق. مقرّبون من شمس الدين اتهموا دمشق بالاستعانة بعدد من عناصر حركة أمل المحسوبين عليه في الشياح.

بعد المسافة واضح بين الوزير السابق ومعظم أركان الطائفة الشيعية منذ وفاة والده، رئيس المجلس، قبل 15 عاماً. على نحو تدريجي، فضّ الطرفان ما يجمعهما من موروثات والده. بقيت لإبراهيم رئاسة الجمعية ومؤسساتها من دون «شريك مضارب». مواقفه السياسية حسبته حيناً على قوى 14 آذار وأحياناً على «شيعة السفارة»، ودوماً على معارضي «الثنائي الشيعي»، خصوصاً «أمل».

المجلس قرّر، أخيراً، تطبيق قرار صادر عنه قبل أربع سنوات. ففي آب من عام 2011، أصدر نائب رئيس المجلس قراراً يقضي «باعتبار المساجد والمصليات والحسينيات وما شابهها من دور عبادة التي تدخل ضمن نطاق سلطة وقف الطائفة الشيعية أوقافاً خيرية عامة ووجوب قيدها على اسم الطائفة». مسجد الإمام الصادق مشمول بالقرار المذكور. لكنه خصص بكتاب صدر في الأول من الشهر الجاري موقّع من المستشار القانوني للمجلس المحامي ضياء الدين زيبارة، موجّه إلى أمين السجل العقاري في بيروت، يطلب تدوين قيد بحكم وقفية مسجد مشاد على عقار في المزرعة بحكم صادر عن المحكمة الشرعية في بعبدا. الحكم مستند إلى قرار ثان صادر عن المجلس خاص بالمسجد، يقضي بـ»إسباغ الحكم الشرعي على الجامع ومركز المؤتمرات الواقع تحته وجميع ما يتعلق به من الأبنية والمساحات والحدائق، واعتباره ملك أوقاف الطائفة الشيعية في بيروت بتولية رئاسة المجلس منذ ما يزيد على 15 عاماً»، علماً بأن الإمام شمس الدين بدأ بتشييد المسجد عام 1994 بأموال من متبرّع كويتي وافتتحه عام 1997، فيما العقار المشاد فوقه تابع لبلدية بيروت التي منحت شمس الدين عام 1983 حق استثمار جزء من حرج بيروت لمدة 99 عاماً، لمصلحة الجمعية ومؤسساتها.

في حديث إلى «الأخبار»، أكد شمس الدين أنه لم يتبلغ القرار الأول ولا الحكم القضائي حين صدورهما، إلى أن أبلغه مخفر طريق الشام، الخميس الفائت، وجوب تنفيذ الحكم. أجرى اتصالات عدة، وزار رئيس الحكومة تمام سلام. لكن دمشق (شقيق العميد يوسف دمشق مسؤول حماية الرئيس نبيه بري) سارع الى تنفيذ القرار في اليوم التالي. السبت الفائت، تقدم شمس الدين أمام مجلس شورى الدولة بطعن في قرار المجلس، باعتبار أن القرار «ينتزع الملكية من الجمعية التي بنيت مؤسساتها من التبرعات التي أتت للإمام شمس الدين بصفته الدينية وليس كمسؤول في المجلس، وهو لم يسجله كوقف عندما كان رئيساً». وتساءل: «كيف تكون الملكية بمفعول رجعي لما قبل 15 عاماً؟»، محذراً من «توريط الطائفة في استيلاء أشخاص على أراض تابعة لبلدية بيروت».

من جهته، أوضح المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان أن القرار لا يستهدف مسجد الإمام الصادق بعينه. «كل المساجد والحسينيات، ومنها تلك التابعة للجمعيات، وحتى التي شيّدها حزب الله، تقرر تسجيلها تحت رعاية وليّ الوقف رئيس المجلس ونائبه». واستدراكاً لحساسية مسجد الصادق، «عيّن نائب الرئيس الشيخ عبد الأمير قبلان الشيخ عبد الأمير شمس الدين متولياً للوقف، ولم يعيّن شخصاً من خارج العائلة احتراماً لمكانتها وحرصاً على أثر الإمام الراحل». وعن دخول دمشق إلى المسجد، أوضح قبلان «إننا استعنا بالدرك لكي ننفذ القرار القضائي. لكن إبراهيم لم يسمح لجماعة المجلس بأن يدخلوا إلى المسجد».

بصرف النظر عن قانونية القرار، لماذا تحرك الآن؟ منذ خروجه من الوزارة وهدوء عاصفة «ويكيليكس» السفارة الأميركية، قلّ ذكر شمس الدين. شخصت الأنظار مجدداً نحوه قبل أشهر مع بدء تنفيذ مشروع بناء جامعة خاصة باسم الجمعية بالتوأمة مع الجامعة الأميركية في بيروت. تردد أن الجامعة المرخصة عام 2007 في عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، مموّلة من السفارة الأميركية. يرفض شمس الدين «أمركة» مشروعه، مشيراً إلى أنه طلب من متموّلين شيعة التبرع لبناء الجامعة من دون جدوى، إلى أن اضطر إلى رهن عقارات في البقاع باسم الجمعية للحصول على قرض مصرفي. الجامعة لا تقام على أرض الوقف الذي يقتصر على المسجد. يدرك المعترضون أن المجمع بما يضم ملك الجمعية ولا صلاحية لسواها بالتدخل. حتى إن بلدية بيروت لا يحق لها فسخ عقد الاستثمار الممنوح للجمعية. لكن «الأمركة» كانت كافية للتصويب ضد شمس الدين، مضافة إلى اتهامه الدائم بـ»الرضى الأميركي عنه». ما زاد في ذلك، قيام شمس الدين بهدم مبنى حوزة الشهيد الأكبر وقاعة الإحتفالات من الداخل لضمّهما إلى منشآت الجامعة. إقفال قاعة تقبّل العزاء (واحدة من اثنتين شيعيتين فقط في بيروت) أثار جدلاً واسعاً. بحسب شمس الدين، فقد «سعيت للحصول على تبرعات لتحويل قاعة المسجد إلى قاعة احتفالات بديلة، من دون جدوى أيضاً».