IMLebanon

حرب عصابات قضائية

خيار الكفاح المسلّح في وجه العدو الإسرائيلي يبقى الأول في مواجهة الجرائم الصهيونية المتمادية. فتجربة لجوء الفلسطينيين إلى الهيئات الأممية والآليات القضائية الدولية لتحصيل الحقوق والاقتصاص من الجناة لم تأتِ بثمار. ولا بدّ من التذكير بأن المقاومة المسلحة للاحتلال مشروعة في القانون الدولي استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

لكن، إضافة إلى الكفاح المسلح لمواجهة المجرمين، هل من سبيل للضغط على المحكمة الجنائية الدولية لحضها على تجاوز الموانع السياسية الدولية التي تنطلق من الانحياز الغربي الأعمى للكيان الصهيوني؟ وهل في نظام روما (النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية) ما يمكن الاستناد إليه لدفع المدعي العام الدولي إلى ملاحقة قيادات إسرائيلية بجرائم ضد الإنسانية، ارتكبوها ويواصلون ارتكابها بحق الفلسطينيين في فلسطين والشتات؟

للإجابة على هذا السؤال، اقترح المحامي الكندي فيليب لاروشيل خيار اللجوء إلى حرب عصابات قضائية (Guerilla Lawfare) للضغط على المحكمة الجنائية الدولية وفضح سكوتها عن الجرائم بحق الإنسانية التي يرتكبها الإسرائيليون. جاء اقتراح لاروشيل خلال تقديمه ورقة بحثية حول السبل الممكنة لتوظيف خلاصات تقرير الاسكوا الأخير عن الممارسات العنصرية الإسرائيلية، قدمها في الملتقى الدولي الثالث للعدالة لفلسطين الذي انعقد في بيروت يومي 14 و15 من الشهر الجاري. وقد شارك مختلف الفصائل الفلسطينية في الملتقى إلى جانب ممثلين عن أحزاب ومجموعات لبنانية وعربية وعدد من المحامين والمتضامنين الغربيين الذين حضروا إلى بيروت من الولايات المتحدة وكوبا وإيرلندا وبلجيكا وفرنسا.

انطلق لاروشيل لوضع اقتراحه من خلاصات تقرير الاسكوا الذي كان قد وضعه الأستاذ في القانون الدولي في جامعة برينستون البروفسور ريتشارد فولك والبروفسور فيرجينيا تيلي من جامعة الينوي في آذار الماضي. وكان الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس قد أمر الاسكوا بسحب هذا التقرير عن الموقع الإلكتروني للمنظمة، ما شكل فضيحة أدت إلى استقالة الأمينة التنفيذية للاسكوا ريما خلف من الأمم المتحدة وإلى مزيد من انكشاف الانحياز الغربي شبه الكامل لإسرائيل.

من أهم خلاصات تقرير الاسكوا: (1) يشرّع القانون الإسرائيلي هندسة ديمغرافية عنصرية، مثلاً «قانون العودة» الذي يمنح اليهود، أياً يكن بلدهم الأصلي، حق الحصول على الجنسية الإسرائيلية وبالتالي حق تملّك الأرض بصرف النظر عمّا إذا كان بوسعهم إثبات صلاتهم بالأرض، في حين يُحجب عن الفلسطينيين أيّ حق مماثل حتى لو كانت في حوزتهم وثائق تثبت ملكيتهم للأرض؛ (2) الأسلوب الرئيسي الذي تفرض إسرائيل به نظام الأبارتايد هو اعتمادها استراتيجية تفتيت الشعب الفلسطيني؛ (3) 4.6 مليون فلسطيني يعيشون في أرض محتلة، 2.7 مليون منهم في الضفة الغربية و1.9 مليون في قطاع غزة. ويخضع الفلسطينيون للقانون العسكري، في حين يخضع حوالى 350,000 مستوطن يهودي للقانون المدني الإسرائيلي. إشارة إلى أن المستوطنين اليهود يتمتعون جميعاً بحماية القانون المدني الإسرائيلي لأنهم يهود سواء كانوا مواطنين إسرائيليين أم لا؛ (4) ملايين الفلسطينيين اللاجئين والمنفيين يعيش معظمهم في البلدان المجاورة ويحظر عليهم العودة إلى ديارهم. وتبرّر إسرائيل رفضها عودة الفلسطينيين بعبارات عنصرية صريحة. فهي تزعم أنهم يشكلون تهديداً ديموغرافياً يقضي عليها كدولة يهودية.

الأدلة التي يقدمها تقرير الاسكوا تثبت أن إسرائيل مذنبة بجريمة فرض نظام أبارتايد على الشعب الفلسطيني، ما يشكل جريمة ضد الإنسانية، وهي جريمة يعتبر القانون العرفي الدولي حظرها قاعدة من القواعد الآمرة jus cogens.

انطلاقاً من ذلك، تطرّق لاروشيل إلى خيار اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية من خلال طرق باب المدعي العام فيها، وإيداعه آلاف المستندات والوثائق والشهادات لفلسطينيين في الأرض المحتلة وفي الشتات تتضمن إثباتات عن جرائم إسرائيلية ضد الإنسانية. إذ إن المادة 15 من نظام روما تشير إلى أن المدعي العام «يقوم بتحليل جدية المعلومات المتلقاة» ويجوز له «التماس معلومات إضافية (…) من المنظمات الحكومية الدولية أو غير الحكومية، أو أيّة مصادر أخرى موثوق بها يراها ملائمة، ويجوز له تلقي الشهادة التحريرية أو الشفوية في مقر المحكمة»، و«إذا استنتج أن هناك أساساً معقولاً للشروع في إجراء تحقيق، يقدم إلى الدائرة التمهيدية طلباً للإذن بإجراء تحقيق، مشفوعاً بأية مواد مؤيدة يجمعها ويجوز للمجني عليهم إجراء مرافعات لدى الدائرة التمهيدية». وتتيح قواعد الإجراءات والإثبات الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية للضحايا «تقديم بيانات خطية إلى الدائرة التمهيدية» (القاعدة 50).

بعض جوانب حرب العصابات القضائية التي يقترحها لاروشيل تشمل:

ــــ وضع نموذج لشهادات الضحايا يمكن تقديمه إلى المحاكم الدولية.

ــــ توثيق مئات آلاف الشهادات التي تثبت تعرّض أصحابها لأذى وأضرار سببتها الممارسات الإسرائيلية بشكل مباشر أو غير مباشر. ويشمل ذلك ممارسات قتل وجرح وتهجير ومنع العودة وهي جرائم عنصرية تعدّ جرائم ضد الإنسانية.

ــــ توزيع العناوين الإلكترونية لجميع الموظفين في المحكمة الجنائية الدولية ودعوة جميع الضحايا والمتضررين من الجرائم الإسرائيلية إلى إرسال معلومات وصور وتفاصيل تدلّ إلى الجرائم الإسرائيلية وتطالب بالحق والإنصاف.

ــــ جمع مئات التقارير التي وضعتها الهيئات الإنسانية والحقوقية والأممية (مماثلة لتقرير الاسكوا) والمنظمات غير الحكومية التي توثق الجرائم الإسرائيلية بدقة.

ــــ نقل هذه الشهادات والتقارير ورقياً بواسطة شاحنات إلى مقر المحكمة الجنائية الدولية وإغراق مكتب المدعي العام بها بحضور وتغطية وسائل إعلام غربية ودولية.

ــــ نشر مضمون الشهادات والتقارير على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

أما الجوانب الأخرى فتشمل استهداف المدعي العام الدولي والقضاة وجميع الموظفين باتصالات مكثفة ويومية عبر مختلف وسائل الاتصال للضغط عليهم من أجل العدالة لفلسطين. وإطلاق حملة واسعة لفضح مواقفهم الرافضة أو المانعة لملاحقة مجرمين يستمرون في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.