IMLebanon

لائحة أهداف!

كان لافتاً الإعلان من سان بطرسبورغ وفي سياق زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان، أن الجانب المضيف طلب من الأتراك تزويده بخريطة عسكرية لاعتمادها في غارات الطيران الحربي الروسي في سوريا!

الافتراض البديهي هو أن موسكو تعطي إشارة إيجابية إلى أنقرة، طالما أنها تطلب رأيها في الأهداف المطلوب قصفها! وطالما أن أنقرة مثلما هو واضح لا ترى أهدافاً عسكرية تستحق القصف سوى الجماعات الإرهابية الكردية.. ثم «داعش»… ثم، لو عاد الأمر إليها، لما عوّفت بقايا السلطة الأسدية من جهودها! باعتبار أن سقفها هو حماية المعارضة السورية من جهة وتأكيد موقفها المبدئي، الذي لم يتغير، الداعم لكل سوري قال لا لسلطة الأسد من جهة ثانية!

لكن الذي سُجّل، حتى خلال القمة الاستثنائية بين أردوغان وبوتين، هو أن الطيران الروسي استمر في الإغارة على بنك الأهداف الذي يشمل تقريباً كل شيء، باستثناء «داعش»! والذي ركّز ويركّز حملاته أكثر من السابق، على منطقة إدلب عموماً وسراقب خصوصاً، حيث سقطت المروحية العسكرية الروسية وقتل من كان فيها وعددهم خمسة عسكريين!

طبيعي أن يُسأل الجانب التركي عن كيفية المساعدة في إعادة جثث هؤلاء إلى موسكو.. وطبيعي في المقابل أن يُسأل الجانب الروسي عن معنى استهداف الطيران الحربي للأسواق الشعبية في إدلب وغيرها! وللمستشفيات التابعة للمعارضة في كل الشمال؟ وللأحياء السكنية في أكثر من مدينة وبلدة وقرية! ثم قبل ذلك، عن «المعنى الأخير» لمشاركة روسيا في الفتك بمكوّنات الأكثرية السورية وفق أجندة الأسد وأتباعه طالما أنها تتحدث وتلتزم سقفاً هو «الحل السلمي»؟ وطالما أنها تسعى إلى المحافظة على «وجودها» الاستراتيجي في منطقة لا يمكن أن يبقى الميزان السلطوي فيها مختلاً إلى الأبد؟

محظوظ وخطير من يدّعي أنه صار يعرف «تفاصيل» المحادثات الروسية التركية في شأن سوريا! وهؤلاء في كل حال كثر، وخصوصاً في الجانب الممانع من ديارنا! لكن تحت ذلك السقف بكثير! يمكن الافتراض سلفاً أن المعنى الوحيد لتطوّر العلاقات وإعادة بناء «الصداقة» ومقوّمات الثقة بين الطرفين، لا يمكن أن يستثني القضية السورية. وفي ذلك ليس صعباً، القول، منطقياً، أن الذي سيدفع هو الجانب الروسي والذي سيقبض هو الجانب التركي!

روسيا هي التي جاءت إلى الجوار التركي وليس تركيا من ذهب إلى الجوار الروسي! وروسيا هي التي تبادر عسكرياً وليس تركيا! وروسيا هي التي تصدّت (وليس تركيا) لـ«معالجة» تخلى عنها الأميركيون تقول في خطوطها العريضة إن المطلوب حل يقوم على معادلة إنهاء السلطة الأسدية والحفاظ على مؤسسات النظام، وضرب الإرهاب بما لا يكسر كل المعارضة وصولاً إلى إنتاج صيغة سلطوية تتضمن عدالة في تركيبتها!

وليس صعباً الافتراض أن موسكو سلّفت أنقرة مواقف لا تخرج عن خط طمأنتها، أكان ذلك من خلال تأكيد السعي إلى «حل سياسي» بما يعني كسراً لمنطق الأسد والإيرانيين القائل بـ«الحل العسكري» أو التزام «وحدة» الكيان السوري بما يعني كسراً لجموح أو طموح «الكيان الكردي».. أو من خلال بعض مجريات واقعة الراموسة الحلبية وصولاً إلى طلب «الخريطة العسكرية» للأهداف التي «ترى» تركيا أن على الطيران الروسي استهدافها!

وهذه وقائع وليست تحليلاً ولا أحلام ليلة صيف! وهي في جملتها تؤكد المعادلة المنطقية التي تفيد في بداياتها وخواتيمها أن «المصالح» الروسية مع تركيا ومع العالم العربي في مجمله، أكبر بكثير من أن تُهدّد من أجل بشّار الأسد وبقايا سلطته! أما على الجانب الآخر، فالواضح أن تركيا التي لم تترك المعارضة السورية ولا شعب سوريا في أصعب مراحل التوتر مع روسيا، لن تفعل ذلك في ظل عودة انتظام العلاقات معها! وعدا ذلك، يمكن السؤال ببراءة ناشفة عن مدى حصافة أي رجل دولة في هذا العالم، لا يزال يفترض أن بشّار الأسد يمكنه أن يضمن أي شيء! وأي مصالح! وأي علاقات! وأي أمن! وأي استقرار!

الأكيد أن رجب طيّب أردوغان أظهر ما يكفي من الكفاءة والحصافة والذكاء كي لا يكون موهوماً بأي «قدرات» أسدية! أما من جهة بوتين فالمنطق يقول إنه ليس بعيداً عن هذه الحقيقة حتى لو أظهرت تكتيكاته عكس ذلك!