اليأس احدى الراحتين، كما في مأثور الكلام. واللبنانيون وصلوا الى اليأس من ملء الشغور الرئاسي الذي دخل شهره التاسع من دون الوصول الى الراحة. أما فرنسا، فانها لا تريد أن تيأس ولا تستطيع أن ترتاح بحثاً عن اجراء الاستحقاق الرئاسي. فهي دائمة الحركة على أعلى المستويات، وان كان المثابر على التحرك بين العواصم هو جان – فرنسوا جيرو رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية. وهو لا يتعب، بحيث يبدو في القيام بالمهمة كأنه جيش ديبلوماسي في رجل.
ذلك ان جيرو يتجاوز الجدل حول الدور للداخل أو للخارج في انتخاب رئيس للجمهورية. فهو من الخبراء الذين يعرفون ما يدور على المسرح وفي الكواليس، حيث الخطوط مفتوحة في الاتجاهين بين الداخل والخارج. لا بل ان مجرد قيامه بمهمته اللبنانية ورهاننا على الدور الفرنسي دليل على التسليم بأن الأولوية للخارج من دون تجاهل الداخل. ومن هنا تحركه بين الفاتيكان وطهران والرياض وبيروت. ففي عواصم المنطقة يقال له ان الانتخاب شأن لبناني، وفي بيروت يسمع من يقول ان المسألة اقليمية دولية.
والسؤال هو: لماذا نتخلى عن دورنا للآخرين فنلغي أنفسنا؟ لماذا يجب أن نربط انتخاب رئيس للجمهورية بكل ما يحدث في الكون من صراعات وصفقات، أو أقله بثلاثة أمور تكاد تصبح من المسلمات: التفاوض على الملف النووي الايراني بين طهران ومجموعة ٥١ وبشكل خاص مع واشنطن، العلاقات الايرانية – السعودية، وحرب سوريا؟
لا شيء يزيد في المخاطر على لبنان أكثر من بقاء الجمهورية بلا رئيس وقت العواصف وتغيير الدول في المنطقة. ولا مبرر للربط الأوتوماتيكي بين الشغور الرئاسي والمفاوضات على الملف النووي، لأن التفاهم الأميركي – الايراني على الأدوار في النفوذ الاقليمي معقّد ومحكوم بحسابات أطراف أخرى، ولأن رئيس لبنان ليس هدية تقدمها أميركا لايران أو بالعكس. فضلاً عن ان انتظار تفاهم سريع بين الرياض وطهران على الرئاسة أمر شبه خيالي، وسط خلافات العاصمتين الممتدة من لبنان الى اليمن مروراً بسوريا والعراق والبحرين. واذا كان المطلوب أن ننتظر نهاية حرب سوريا، فان الانتظار سيكون طويلاً جداً. فلا أحد يعرف كم سنة أخرى تأخذها حرب سوريا التي تقترب من اكمال سنتها الرابعة، ولا ما ستكون عليه صورة سوريا الممزقة حالياً بين أطراف عدة. ولا أحد يجهل ماذا يبقى من الجمهورية اذا ظلّت لسنوات من دون رئيس.
والحد الأدنى من ممارسة المسؤولية الوطنية كفيل باتفاق اللبنانيين على رئيس يصعب أن تعرقله القوى الخارجية.