«ميني أزمة» كوستابرافا الاسبوع الماضي، وأزمة امتلاء مطمر برج حمود المتوقعة قريباً ، حتّمتا البحث عن حلول سريعة… ومربحة! «استباقاً» للأزمة، تعاقدت «رامكو»، وريثة «سوكلين»، مع بلدية بيروت لنقل نفاياتها الى معمل غوسطا (بعد تشغيله) في كسروان، مقابل 23 مليون دولار لثلاث سنوات. الشركة اكتشفت فجأة أن المنطقي ان تعالج نفايات كسروان في غوسطا ونفايات بيروت في برج حمود. لذا قررت أن تفعل ذلك مستفيدة من الوفر الذي تحققه بعد تخفيف كلفة النقل ومن عائد يقدر بأكثر من 50 دولاراً عن كل طن من نفايات كسروان!
قبل سنتين، أُقيم في بلدة غوسطا الكسروانية معملٌ لمعالجة النفايات، أُطفئت محركاته في كانون الأول 2018. التوقّف أتى «قسرياً»، بسبب غياب الإمكانات المادية لدى البلديات «المخنوقة» مركزياً بالديون المتراكمة عليها لشركة «سوكلين». هذا هو السبب الذي تحدّث عنه يومها كلّ المعنيين. اقتراحات عدة رُفعت لإعفاء المجالس المحلية من هذا العبء، من دون جدوى. أزمة أموال البلديات لم تُحلّ بعد، ما يعني عدم انتفاء الأسباب التي أجبرت «غوسطا» على التوقّف عن العمل. إلا أنّه، منذ أيام، ترتفع وتيرة الحديث عن تشغيل المعمل من جديد. لماذا؟ لأنّ أزمة النفايات اشتدّت في بيروت، فانفرجت في كسروان. وللدقة، يُمكن القول إنّ شركة «رامكو» أفرجت عن معمل غوسطا، مُجنّبة القضاء تجدّد أزمة تجمّع النفايات فيه، بعد أن يبلغ مطمر برج حمود أقصى قدرته الاستيعابية. فالشركة المُكلّفة جمع وكنس النفايات في المتن وكسروان، وبعد أن انتزعت من بلدية بيروت عقداً بالتراضي («الأخبار»، 19 تموز، لنقل 200 طن من نفايات العاصمة ومعالجتها، بقيمة 23 مليون دولار، وافقت على نقل نفايات كسروان، من البلديات إلى معمل غوسطا. «هذا إنجاز»، يقول النائب نعمة افرام. ما لا يقوله الأخير، أنّ «الإنجاز»، يُشكّل في الوقت نفسه «إدانة» لشركة «رامكو»، بأنّها تتحمّل مسؤولية إيقاف معمل غوسطا. ففي المُخطط الأول للمعمل، كان يُفترض بالبلديات أن تنقل نفاياتها إلى غوسطا، وتدفع مُباشرةً للمعمل مبلغ 60 دولاراً للطن كلفة الفرز والمعالجة. انطلاق الخطة، كان سيرتد سلباً على إيرادات «رامكو»، الناتجة من الجمع ونقل النفايات إلى برج حمود، والتي تبلغ قرابة الـ114 دولاراً للطنّ. في 14 آذار الماضي («الأخبار»، عدد 14 آذار 2019، قال رئيس اتحاد بلديات كسروان – الفتوح جوان حبيش، لـ«الأخبار»، إنّه «يبدو أنّ النية هي إبقاؤنا مربوطين بشركة رامكو». في المفاوضات بين الأخيرة وبلدية بيروت، ثمّ مع القيمين على «غوسطا»، تبيّنت صحّة توقعات حبيش، ليتأكد من جديد أنّ التعامل مع ملفّ أساسي كتراكم النفايات في الشوارع، مع ما تُنتجه من مشاكل بيئية وصحية، يتمّ بمعزل عن مصالح السكان، وبعيداً عن أي خطّة استراتيجية لحلّ الأزمة جذرياً. تتحول النفايات إلى «نفط» لبنان الجديد، وساحة تنافس بين «مُتعهدي» الجمهورية.
في عقد التراضي بين بلدية بيروت و«رامكو»، لم يُحدّد معمل الفرز الذي ستُنقل إليه الـ200 طنّ من النفايات. ولكن انتشرت معلومات تُرجّح أن تكون وجهة الشاحنات، غوسطا، في حال توقّف برج حمود والكوستابرافا عن استقبال النفايات. ترافق ذلك مع إطلاق نعمة افرام «وعداً»، في 20 تموز، بأنّ إعادة تشغيل المعمل ستتمّ «في غضون أسابيع قليلة»، ما أسهم في تعزيز صحّة الشائعات. «الخبرية» أثارت عدداً من علامات الاستفهام، أبرزها، أنّه إذا كان معمل غوسطا قادراً على استقبال 200 طن من نفايات العاصمة، فلماذا تُقفل أبوابه بوجه نفايات قضاء كسروان؟ وكيف سيحلّ الأخير أزمته، حين يتوقف مطمر برج حمود عن تلقّي النفايات، إذا كان معمل غوسطا مُتاحاً لنفايات بيروت فقط؟
يوضح افرام لـ«الأخبار» أنّ نفايات كسروان هي التي ستُنقل إلى معمل غوسطا، «فبلدية بيروت اتفقت مع شركة رامكو، والأخيرة تتفاوض مع غوسطا. بهذه الطريقة، يكون الجميع قد ربح». الاتفاق بين غوسطا و«رامكو» لم يُبتّ بعد، «من المفترض أن يتم الانتهاء منه في غضون أسبوعين». لم تكن «رامكو» لتقبل التفاوض مع معمل غوسطا، لولا أنّها لم تنل «تعويضاً» بقيمة 23 مليون دولارٍ من العاصمة. مع ذلك، فهي لن توقّع اتفاقاً مع «غوسطا» يُلغي هامش الربح الذي كانت تُحقّقه من عملية جمع ونقل نفايات كسروان إلى برج حمود. تفاصيل العقد لا تزال غامضة، ويُفضّل المعنيون التكتم عليها، إلى حين التوقيع عليه، خوفاً من نفض «رامكو» يديها من الاتفاق، وإعادة فرضها حظراً على «غوسطا». ولكن، بحسب افرام، فإنّ كلفة الجمع والنقل لن تنخفض بعد أن تقلّصت المسافة الجغرافية التي كان على «رامكو» أن تتكبّدها (النقل من كسروان إلى برج حمود)، «العقد ثابت، ولكن ما أُضيف هو دفع «رامكو» 60 دولاراً لمعمل غوسطا، لقاء فرز ومعالجة النفايات».
لم تكن «رامكو» لتقبل التفاوض مع غوسطا لولا حصولها على 23 مليون دولار من بيروت
أنشأت شركة «فينيكس انرجي» معمل معالجة النفايات في غوسطا، عام 2017، على مساحة 30 ألف متر مربع، وبقدرة استيعابية تصل إلى 200 طن يومياً. كان يُفترض أن يتمكن من معالجة أكثر من نصف كمية النفايات التي تُنتجها بلديات قضاء كسروان – الفتوح، وتبلغ 350 طنّاً من النفايات في اليوم. ولكن، خلال فترة تشغيله القصيرة، اقتصرت أعمال «غوسطا» على معالجة 15 طناً في اليوم من بلدات غوسطا وعينطورة وجديدة غزير وغبالة. حالياً، لا معلومات لدى اتحاد البلديات في القضاء عن الاتفاق المنوي المضي به بين «غوسطا» و«رامكو»، ولكن بالنسبة إلى رئيس بلدية جونية جوان حبيش، هناك العديد من علامات الاستفهام التي تُطرح، تحديداً حول طريقة عمل «رامكو»، إن كان في «ضمّ تكاليف إضافية في العقود للعام الحالي، أو مشكلة تجميع النفايات قبل لمّها أو المبلغ الكبير الذي ندفعه، لنكون عملياً قد عُدنا إلى نفس الوضع زمن سوكلين. النفايات مصدر رزق لكثير من السياسيين، من دون أن نستثني أحداً». ويتحدّث حبيش عن مشكلة في وزن النفايات، «لا نعرف الوزن الفعلي للنفايات التي تُحمّلها رامكو. يتم استخدام أساليب ليكون الوزن أكبر من الواقع». ففي إحدى المرات، وبعد إثارة الموضوع، «وافقت الشركة على أن تُرافقها دورية من قبلنا إلى الميزان حيث يتم وزن النفايات، ولكن مُنع العناصر من الدخول». حبيش، الذي لا يُبدي حماسةً لإعادة افتتاح معمل غوسطا، يكشف عن حلّ اقترب الانتهاء منه بين قضاءَي جبيل وكسروان – الفتوح، «حُكي بشأنه مع رؤساء البلديات واتحادَي البلديات في القضاءين، لكن يبقى بحاجة إلى بعض التفاصيل قبل بدء تنفيذه». الحلّ يقوم على الجمع بين وجود معمل للفرز ومطمر من دون أن يُحسم موقع كل منهما بعد.
«الأخبار» حاولت الاتصال بالمدير التنفيذي لشركة «رامكو» وسيم عماش، للاستفسار منه بشأن الاتفاق مع معمل غوسطا، لكنه لم يُجِب.