قبل الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من ايلول الجاري، تتجمّع استحقاقات كثيرة. تقترب التظاهرات المطلبية من بلوغ خطّ اللاعودة، وتعود التظاهرات الى ساحة الشهداء، فيما تغيب المطالبة الجدية بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بما يُوحي أنّ الرئاسة أصبحت نسياً منسيّاً وسط تخبّط الاهداف، وتعدّد الجهات التي تدعو الى التظاهرات وتنظّمها.
كانت تظاهرة النائب ميشال عون أمس أبلغ دعوة إلى الانقلاب على «اتفاق الطائف»، من خلال عدم الاعتراف بالمجلس النيابي الحالي، والدعوة الى انتخابات جديدة قد لا تُبصر النور بسبب الخلاف المزمن على قانون الانتخاب.
وهذه الدعوة المستمرة إلى «الانقلاب» لا يبدو أنّها تَجد من يُواجهها في ظلّ الغيبوبة التي أصيب بها عدد من القوى السياسية، وخصوصاً قوى «14 آذار» التي تجد جزءاً من شارعها قد ذهب في موجة الحراك المطلبي، ذلك مع العلم أنّ عدداً كبيراً من كوادر «ثورة الأرز» شارك في التظاهرات المطلبية ويحاول عبر هذه المشاركة عدم رَمي الشارع في اتجاهات، تنخرط في أجندة الانقلاب على «الطائف»، وإسقاط النظام من خلال المطالبة بإجراء انتخابات نيابية وإهمال الفراغ الرئاسي، كأنّه لم يكن.
تقود جهات في «14 آذار» وأخرى وسطية سلسلة اتصالات مع قيادات «14 آذار»، ومع مرجعيات دينية لصَوغ تحرّك في هذا الاطار يهدف الى النزول الى الشارع تحت عنوان الحضّ على انتخاب رئيس للجمهورية.
ويلقى هذا المسعى تشجيعاً لدى القوى المستقلة التي تشترط أن يكون ضمن سلة واحدة، تشمل انتخاب الرئيس والهمّ المطلبي، والبدء بالاصلاح ومواجهة الفساد، وملاقاة الحراك الاجتماعي المدني الى منتصف الطريق في مطالبه المحقّة.
وتعمل الجهات نفسها على بلورة استراتيجية واضحة للمشاركة في الحوار، تقتضي بمَنع تكرار سيناريو الحوار الذي دعا اليه برّي عام 2006 والذي أنتج اتفاقاً على بعض القضايا مثل المحكمة الدولية والسلاح خارج المخيمات، ليتبيّن فيما بعد أنّ الحوار كان مجرّد عقد جلسات لا طائل منها، انتهت بحرب تموز 2006، التي نَسفت كل نتائجها، وقادت الى اعتصام وسط بيروت، و»السابع من أيار» و»اتفاق الدوحة».
المسعى هنا يَنصبّ على توحيد الموقف على طاولة الحوار بحيث يطالب جميع ممثلي «14 آذار»، بفَتح المجلس النيابي وانتخاب رئيس للجمهورية، وإلّا وَقف المشاركة فيه، والدعوة مباشرة الى التظاهر والاعتصام، للمطالبة بانتخاب رئيس وملاقاة الشارع المحتجّ على التعطيل والفساد والاهتراء.
عملياً يمكن القول إنّ الخطاب العنيف المتوقّع أن يلقيه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع اليوم، سيُحدّد معالم هذا التوجّه، فجعجع سيكون نقدياً وداعماً لحلفائه في آن، وسيعيد التشديد على مبادئ 14 آذار، وسيُعدّد مساوئ الحوارات السابقة وما أصابها من إخفاق، وسيُركّز على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكن من غير المعلوم ما اذا كان جعجع سيدعو الى التظاهر أو التحرك الشعبي، في مواجهة المطالبة بانتخابات نيابية، وإسقاط «اتفاق الطائف» والذهاب الى مؤتمر تأسيسي، فهذه أجندة يفترض الاتفاق عليها مسبقاً داخل «14 آذار»، وإذا حصل ذلك، ستُعلن في مؤتمر جامع يشبه مؤتمرات البريستول عام 2004.
وترى مصادر متابعة أنّ الخطر الذي يتهدّد «اتفاق الطائف»، يقتضي الذهاب سريعاً الى دعم المؤسسات، والوقوف في وجه «حزب الله» وحلفائه «الساعين» الى نَسف «الطائف» وإسقاط النظام، ذلك تجاوزاً للتراجع التكتيكي الذي يسجّل لهذا الطرف أو ذاك داخل «14 آذار»، تحت عنوان الانفراد بتفاهمات ثنائية، مرّة على شكل «إعلان نيّات» («القوات» و»التيار الوطني الحر»)، ومرة تحت عنوان حوار ثنائي (تيار «المستقبل» و»حزب الله»).