لم يعد مفتاح القصر، المفتاح الوحيد الضائع بين ركام الأزمات والصراعات. كل مفاتيح الدولة تضيع الواحد تلو الآخر. جميعاً ضعنا في الجمهورية الضائعة. الفرنسيون يخشون أن تصبح… الجمهورية المنسية!
طائفة أنتجت الأعلام في السياسة وفي الفكر وفي الاعلام، لا تستطيع أن تنتج رئيساً للجمهورية بقامة تغطي كل لبنان. لا طائفة ولا منطقة، حتى بعدما تعرى الموقع من صلاحياته ليبدو من يشغله كمن فرضت عليه الاقامة الجبرية على الكرسي الكهربائي.
كلهم يعلنون الولاء للبطريرك الذي «مجد لبنان اعطي له»، دون أن يستطيع جمع تلك الثلة من القادة الموارنة تحت سقف واحد، حتى للصلاة والتأمل. هذا لا يعني القول بـ «التعليب الكنسي لأهل السياسة». لماذا يا صاحب الغبطة الاصرار على أن يكون رئيس الجمهورية مارونياً اذا كان يبعثر الطائفة على ذلك النحو الدراماتيكي، والى حد اشاعة الضغينة والتفرقة بين الماروني والماروني؟
نعلم أن بطريركاً مارونياً (الياس الحويك) وراء انشاء «دولة لبنان الكبير»، ليولي الدستور صاحب الفخامة صلاحيات صاحب الجلالة. رئيس جمهورية ماروني لا جمهورية مارونية، كما تخيّل البعض. لكن وثيقة الطائف التي وضعت، في ضوء التحولات الديموغرافية والسياسية وحتى الصراعات الدموية، فرضت واقعاً دستورياً جديداً انتزع من الموقع الرئاسي بريقه، ليغدو رهينة في قبضة مجلس الوزراء.
بالرغم من ذلك، الوصول الى القصر لم يعد على حصان أبيض، بل على حصان خشبي ما دام الطريق الى هناك يمر بالدهاليز الداخلية والخارجية على السواء.
حتى ان من دعاهم البعض بـ «الأقمار الثلاثة»، وهي الصفة التي أسبغتها الكنيسة على كل من باسيلييوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي ويوحنا فم الذهب، وهنا قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان ورئيس مجلس القضاء الأعلى، باتوا يشتكون من ضياع كراسيهم، بعدما باتت الطوائف أقوى من الدولة، وبعدما بات عرابو الطوائف (وعرابو المافيات) أوصياء على الدولة.
هكذا التشكيك، حتى بين الموارنة، في قدرات وولاءات قائد الجيش، وهكذا يرجم حاكم مصرف لبنان وحده باغفال النصوص التي تحدد من يفترض أن تعلّق لهم المشانق، ودون تبرئة أحد من سوقنا، كما النعاج الى جهنم، وهكذا يبدو رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي، في أي بلد سوي، يد القضاء والقدر ضحية الرياح السياسية تهب عليه من كل حدب وصوب.
مثلما الدولة في أزمة بنيوية، الطائفة المارونية أيضاً. لم تعد هي التي تستاثر باختيار من يشغل المواقع الثلاثة. الآن صراع ـ يتقاطع مع الاختلاف بين الدول الكبرى ـ حول من يخلف رياض سلامة على العرش. صراع قد يتداخل مع الصراع حول رئاسة الجمهورية، مع أن الضرورة القصوى تقضي بالملء الفوري للمنصب، في بلد وضع على اللائحة الرمادية، وغداً على اللائحة السوداء.
كلام في الظل حول تسوية ترمي الى تعيين حاكم نصف أميركي ونصف فرنسي، والنصف الثالث لبناني، والتمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، وتعيين مدير عام أصيل للأمن العام، يقول مرجع كبير أنه بات معروفاً. شخصية عسكرية ـ أمنية تميزت بالمناقبية والديناميكية وبدورها في القيام بالمهمات الصعبة (وأحياناً المهمات المستحيلة).
معارضة مبعثرة كما حبات الرمل. كل له مرجعيته داخل الحدود او خارجها. حتى ان النواب «التغييريين»، وبعضهم ظلال لقادة طوائفهم، لا يستطيعون اختيار مرشح يكون «المايسترو» في مسيرة الانقاذ، ودون أن نتطلع الى رئيس بمواصفات لودفيغ ايرهارد او مهاتير محمد او بمواصفات لي كوان يو.
رئيس بالكاد يشبه الملك تشارلز الثاني. بهرجة في الملابس وفي الطقوس وفي العربات الذهبية، ولكن بصلاحيات لا تتجاوز صلاحيات حارس مفاتيح القصر.
الصراع عندنا حول حارس مفاتيح القصر. المسألة لا تستحق أن يشهر القادة سيوفهم في وجوه بعضهم بعضا. لكنها وكما وصفها برنارد شو «لعنة آدم». حقاً، أليست السلطة… لعنة آدم ؟!