IMLebanon

«لقاء كليمنصو»: لئلّا يستقوي عون بالأسد

 

ليس معروفاً، عندما اجتمع الوزير جبران باسيل بنظيره السوري وليد المعلم في نيويورك، هل أزعج خصوم سوريا أكثر أم حلفاءها، أو أزعجهما معاً حتى اضطُرا إلى التنسيق لمواجهته؟

مثير أن يكون لقاءُ نيويورك مزعجاً أيضاً لحلفاء سوريا. فهؤلاء هم الذين يأخذون «التيار الوطني الحر» بيده، ويأخذون العهدَ والحكومة بكاملها إلى التطبيع مع دمشق – الأسد. واللقاءُ بين باسيل والمعلّم هو إحدى المحطات المهمّة في الطريق إلى دمشق.

طبعاً، هؤلاء الحلفاء مُطمئنّون تماماً إلى أنّ في يدهم المبادرة إلى «ضبط» أطر العلاقة بين أيّ طرف لبناني ودمشق. لكنهم يُسجّلون ديناميةً في حراك «التيار»، وخصوصاً من خلال رئيسه باسيل، يصعب ضبطُ حدودِها أحياناً. فهو يتصرّف داخل مجلس الوزراء وخارجه، متمتّعاً بتغطية رئيس الجمهورية، و»لا يستمع إلى أحد».

في صريح العبارة، يخشى كثيرٌ من القوى السياسية أن يستقوي «التيار» بدمشق، بحيث يزايد على حلفائها في هذا المجال وتكون في يده ورقة قوة إضافية لتوسيع هامش تحرّكه داخل السلطة. وهذا أمر يُعيد صورة السلطة إلى ما كانت عليه قبل زلزال 2005. فرئيسُ الجمهورية يصبح «مُتعِباً» للآخرين عندما يزايد عليهم بتحالفاتهم الخارجية.

في لقاء كليمنصو، كان القاسمُ المشترَك هو الانزعاج من الهامش الواسع الذي يشعر به باسيل في مجلس الوزراء، متجاهلاً الحلفاءَ والخصومَ السياسيين على حدٍّ سواء. وهذا الهامش يستفيد منه رئيس الجمهورية في النهاية، إذ لا يمكن الفصلُ بين عون و«التيار».

والقناة التي يقيمها باسيل مع الحريري من خلال نادر الحريري، والتي تقوم على التفاهمات والتقاسم في الملفات، لا تكفي لتطمين رئيس الحكومة إلى أنّ العلاقة مع وزير الخارجية «تحت السيطرة».

في الوقت عينه، يتحسَّس رئيسُ مجلس النواب نبيه بري هذا السلوكَ الباسيلي. وأساساً، ليس هناك كيمياءٌ بينه وبين «التيار» ورجالِه. وعندما يلعب باسيل قويّاً في الملعب السوري، يصبح ضرورياً أن يتّخذ الحلفاء، قبل الخصوم، احتياطاتِهم لتبقى لهم القدرةُ على الإمساك بالكرة عندما يريدون وأن يسدّدوها كيفما شاؤوا.

و«حزب الله» لم يكن يوماً في منأى عن حركيّة رئيس المجلس. فهو بالتأكيد ليس غائباً عن لقاء كليمنصو وبرنامجِه واستهدافاتِه. وليس من عادة «الحزب» أن يواجه حليفَه «التيار الوطني الحر» في الأمور التي تسبِّب الإحراج. هو يتركها لآخرين، ولا سيما منهم بري.

وأما النائب وليد جنبلاط فهي فرصتُه ليستعيدَ الدورَ القديم الذي أفقده إيّاه عون بمجيئه رئيساً: الوسيط الذي يحصِّل المكاسبَ من تقاضيه أتعابه عن دوره في الوساطة. ولا يبدو دقيقاً أنّ بري اضطلع بدور الوساطة في اللقاء، بين الحريري وجنبلاط. فالرجلان تصالحا عندما زار جنبلاط «بيت الوسط» مطلع هذا الشهر. وفي كليمنصو، كان اللقاء لتنسيقٍ سياسيٍّ أكبر.

في هذا المعنى، لقاءُ كليمنصو، جمَعَ المتناقضَين استراتيجياً من أجل تفاهماتٍ تكتيكية. فالجميع متضرّر من مفهوم «العهد القوي» الذي ينادي به «التيار»، بل يزايد به على الآخرين. وثمّة مَن يرى أنه بداية «تحالف رباعي» («حزب الله» هو الرابع المستتر)، استعداداً لمرحلة آتية يتقرّر فيها مصير الانتخابات وقانونها وتَوزُّع السلطة والقرار.

يشبه ذلك التحالف الذي حصل في 2005، وجَمَع النافذين، الخارجين حديثاً من معسكرَي 14 و8 آذار، والذي رسم مستقبل تلك المرحلة: الانتخابات والحكومة ومنع التنازع حول الخيارات الإقليمية.

اليوم، يقوم الحريري وجنبلاط المدعوّان إلى السعودية، بالتنسيق مع بري (و»حزب الله») الداعيَين إلى التطبيع مع دمشق – الأسد، لكَبح رئيس الجمهورية، لئلّا يتسبّب بمتاعب لهم في الحكم، على غرار ما كان يحصل أحياناً مع الرؤساء في المرحلة السورية.

حلفاءُ سوريا، ولا سيما منهم بري و»حزب الله»، يريدون لعون أن يكون قوياً فقط في زاوية ارتباطه بالتحالف الإقليمي الاستراتيجي وتدعيم دورهم في لبنان. والحريري وجنبلاط يريدان لعون أن يكون قوياً فقط في زاوية تفاهماته اللبنانية معهم، الانتخابية خصوصاً. ولا أحد من هؤلاء يريد عون قوياً في المطلق، لأنّ قوة رئيس الجمهورية ستكون على حسابهم.

وفي ما يظهر من علامات، ما من أحد مستعدّ لإعطاء رئيس الجمهورية ما يطمح إليه عندما يتحدّث عن «جمهوريته القوية» و»عهده المنتظر» بعد الانتخابات والحكومة المقبلة.

وربما يثير ذلك مجدّداً أسئلةً قديمة يطرحها المسيحيون منذ «إتفاق الطائف»: هل المطلوب تطويق أيّ محاولة لاستعادة التوازن الطائفي المسيحي – الإسلامي لمصلحة التوازن المذهبي السنّي – الشيعي، بوساطة درزية، كما جرى في الحلف الرباعي عام 2005؟

البعض يتوقف عند أمر آخر: الدعواتُ إلى السعودية بدأت بقطبَين مسيحيَّين من 14 آذار هما الدكتور سمير جعجع والنائب سامي الجميل، قبل نحو أسبوعين، فيما المفترض – في الشكل على الأقل- أن تبدأ الدعوات بآخرَين أكثر تأثيراً في لعبة المحاور والسلطة، هما الحريري (وإن كان «من أهل البيت») وجنبلاط. وأكثر من ذلك، يسارع الحريري وجنبلاط إلى التنسيق مع القوى الشيعية، وتتأخّر زيارتُهما للسعودية إلى مواعيد غير محدّدة.

في القراءة المباشرة، يوحي ما جرى وكأنّ المسيحيين هم الأكثرُ استعجالاً للوقوف في وجه التطبيع مع الأسد، مدعومين بقوة إقليمية هي السعودية، فيما الآخرون المنضوون أساساً في المحور السعودي هم أقل حماسة لمواجهة التطبيع ويفضلون خيارَ التنسيق وتغليب اعتبارات التوافق الداخلي على المحاور الخارجية.

وبالتأكيد، هذا ليس صحيحاً ولا يريده جعجع ولا الجميل. فمعروف أنّ المسيحيين في لبنان، والدروز أيضاً، ليسوا منخرطين عضوياً في أيٍّ من المحوَرين المتنازعَين في الشرق الأوسط، السنّي والشيعي.

هل هي عودة إلى مرحلة 2005؟ ربما. ولكن، لقاء كليمنصو في أيّ حال سيساهم في رسم الخيارات الآتية، وأبرزها: إنتخابات وحكومة جديدة أم لا انتخابات ولا مَن يَنتخبون ولا حكومة ولا مَن يَحكمون!