رسالة من الحريري الى جعجع: قد اسامح لكنني لن افقد الذاكرة
لا احد في تيار المستقبل غير رئيس الكتلة النائب فؤاد السنيورة يتمنى ان تكون المعلومات حول زيارة قريبة لموفد سعودي الى بيروت صحيحة، طبعا لا يراهن رئيس الحكومة الاسبق على تلك العودة «الميمونة» لهزيمة حزب الله في الانتخابات التشريعية المقبلة، وانما يريد الامر لسببين: الاول حجز مقعد على لوائح المستقبل الانتخابية، اما السبب الثاني فهو «فرملة» اندفاعة الرئيس سعد الحريري اتجاه التيار الوطني الحر «والارتماء» في حضن الرئاسة الاولى… اما الرهانات الاخرى المرتبطة باستعادة قوى 14 آذار لوحدتها لمواجهة المحور الايراني على الساحة اللبنانية، فلم يعد حتى «حلم» يراود القوات اللبنانية، وهي اشد الراغبين بحصول ذلك، ولكن «معراب» باتت اكثر واقعية وتبحث اليوم عن مصلحتها الذاتية لتحقيق كتلة نيابية «محترمة» تفرض واقعا مغايرا في الساحة المسيحية، اما تحقيق «الغلبة» من خلال هذا الاستحقاق على الفريق الاخر فلم يعد اولوية لدى اي من اطياف قوى 14 آذار لانه بكل بساطة «معركة خاسرة»… اما الرئيس الحريري فهو في «واد» آخر وله اولوياته الذاتية، فيما يطمح التيار الوطني الحر الى منع «القوات» من تحقيق اي امتيازات على حسابه… انها انتخابات «الزواريب الضيقة»، وليست صراع على القضايا الاستراتيجية المحسومة لصالح حزب الله مسبقا، «فالثنائي الشيعي» يتجه مع حلفائه لتحقيق اغلبية مريحة في المجلس القادم فيما الخيارات الاقليمية تبقى خارج النقاش.
هذه الخلاصة الاولية للواقع الانتخابي، لاوساط نيابية ناشطة تعمل على خط الانتخابات، ووفقا لمعلوماتها، فان الاشارات السعودية التي وصلت الى بيروت لا توحي بان الرياض تملك مشروعا متكاملا لاعادة استنهاض حلفائها على الساحة اللبنانية، وبمعزل عن صحة وصول موفد من عدمه، تبدو الرياض حائرة في كيفية خلق «توازن» بين استعادة سعد الحريري الى «حضنها»، وبين اقناعه في التخلي عن تحالفه العميق مع رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر، ووفقا للمعطيات اصيبت الرياض «بخيبة امل» بعد عملية «جس نبض» اولية جرت الاسبوع الماضي عبر سفيرها وليد اليعقوب، وقد تبين لها ان رئيس الحكومة لن يقبل تحت أي ظرف «التراجع خطوة الى الوراء» في علاقته مع الرئاسة الاولى، وليس في وارد تكرار تجربة العودة الى «قوقعته» السابقة ضمن فريق تبين ان «الخونة» فيه اكثر بكثير من الحلفاء، بحسب قول احد مستشاري رئيس الحريري المقربين ،واذا كانت المملكة لديها «المونة» لطي صفحة الخلاف بين «القوات» «والمستقبل»، فان ذلك لن يكون على حساب العلاقة مع التيار الوطني الحر»… والسعوديون باتوا في هذه الاجواء ويدركون ان رئيس الحكومة بات عاجزا تماما عن الخروج من «عباءة» تحالفاته الجديدة، ويرى في الثنائية مع عون الضمانة الوحيدة والاكيدة لاستمرار بقاءه على راس الحكومة، وهذا ما يجعل الطموحات السعودية متواضعة ودون آمال كبيرة بتحقيق اي اختراق.
وفي هذا الاطار، تشير تلك الاوساط الى ان النقاشات بين «معراب» «وبيت الوسط» لا تزال عند المربع الاول المرتبط بنقاش اسباب «مغامرة» القوات اللبنانية ابان ازمة رئيس الحكومة، والوزير غطاس خوري كان واضحا عندما ابلغ جعجع في لقائهما الاخير، ان الحريري مستعد ان يسامح لكنه لن يفقد «ذاكرته»، واجرى الطرفان جردة حساب مطولة حيال تلك المرحلة، ووجه الحريري عبر خوري سلسلة من الاسئلة منها،» ما الذي كان سيتغير من خلال تغييبي عن المشهد السياسي؟ هل من عاقل يصدق ان ذلك لاضعاف محور طهران؟ طبعا التبريرات المتعلقة بقرار القوات بالادعاء عدم معرفة ظروف الاستقالة، لم تجد اذان «صاغية» في «بيت الوسط»، وثمة ضمانات يطلب بها الحريري، وهي لا ترتبط فقط بقبول القوات بثابتة تحالف «المستقبل» مع التيار الوطني الحر، وانما حيال المرحلة المقبلة، فمرة جديدة قدم خوري ما يمكن وصفه «خارطة طريق» تيار «المستقبل» التي تعتبر ان معالجة ملف حزب الله اكبر من لبنان، ومن قدرة اللبنانيين على حله، ومن ينخرط في تسوية مختلّة التوازن عليه أن يقبل بكل مفاعيلها، المرحلة لن تكون لتحقيق الانتصارات بل تخفيف الخسائر… ومن الان وصاعدا يجب ان تدرك «القوات» ان رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة لا يمكن ان تكون من لون واحد، فاذا كانت الرئاسة الثالثة من 14 آذار، فإن 8 آذار ستنال رئاسة الجمهورية، والحريري ليس في وارد التخلي عن هذا الموقع مستقبلا… اما ما تريده القوات من «امتيازات» فعليها تحصيله من التيار الوطني الحر وليس من تيار المستقبل.
وفي هذا الاطار، تلفت تلك الاوساط الى ان «القوات» ليست بعيدة تماما عن هذه المعادلة، فالصراع مع حزب الله لم يعد ايضا ضمن اولوياتها، حتى لو استمرت في اطلاق الشعارات الكبيرة، والمعركة الحقيقية الان مع التيار الوطني الحر في اطار «التناتش» على الحصة المسيحية، وتتوقف «معراب» كثيرا عند شعار الوزير جبران باسيل «اوعا حالك»، وهي تعتقد انها تعرضت لخديعة كبرى من قبل «التيار» وجرى تهميش دورها على الساحة المسيحية، وفي اوساط القوات قناعة راسخة بان التجربة في العام الاول من رئاسة عون كان وصفة فشل كبيرة لخيارات «معراب» التي اعتقدت انها ستكون «الابن المدلل» للعهد، لكنها اكتشفت ان تحجيمها كان اولوية بدءا من اقصاءها عن التعيينات، وصولا الى التحريض مؤخرا على عزلها، وانطلاقا من هنا فان عنوان المعركة بات في كيفية استعادة «الهيبة» واختراق المجلس بكتلة «محترمة» لتأمين شراكة مسيحية متوازنة بعد الانتخابات النيابية المقبلة…
في الموازاة، لا يرغب التيار الوطني الحر في منحِ «القوات» ما تريده من «امتيازات» ويمضي في شراكته مع الحريري، وهذا لا يمنع حصول تحالفات انتخابية «مصلحية» في بعض المناطق… اما اولوية الحريري فهي بقائه رئيسا للحكومة، وضمانته مهما كانت النتائج هي علاقته الجيدة مع العهد، والابقاء على معادلة «ربط النزاع» مع حزب الله التي تشير الارقام الى انه انهى 70 بالمئة من الاستعدادات لخوض انتخابات ضمن فيها غالبية المقاعد الشيعية مع حركة امل، وسيحقق مكاسب كبيرة في المقاعد السنّية والدرزية والمسيحية..