IMLebanon

رسالة إلى الدبلوماسية الفرنسية

 

أيُّها السّادة، وفقاً لـ «علم السياسة» تُستخدم الدبلوماسية للسياسة الخارجية لدولة ما أو مجموعة هيئات تتوّلى إدارة شؤون أزمة ما لدولة تُعاني من متاعب جمّة، والدبلوماسية وفقاً لما تعلّمناه في جامعاتنا ومن خلال ممارساتنا للعمل السياسي والنشاط على مستوى عواصم القرار تعتمد على مقاربة المواضيع المطروحة بطريقة علميّة موضوعية. ومن أبرز النشاط الدبلوماسي لمقاربة أزمة ما محاولة التوثيق بين مصالح متعارضة ووجهات نظـر متباينة كما تسيير حل المشكلات وتسوية الخلافات وإشاعة الود والتفاهم بين الأطراف المختلفة، ومراقبة مجريات الأمور وحماية مصالح الدول لا التفاوض على حسابها، كما العمل على عدم إنتهاك مصالح وحقوق الناس وهيبة الدول المتعثرة، كما حماية الحرية والرعايا سواء أكانوا موجودين داخل الدولة أو خارجها.

من حيث المنطق السياسي الدبلوماسي رسالتكم الدبلوماسية من خلال موفدكم الوزير السابق لودريان هي من المفترض لا بل من الواجب تعميق المعرفة السياسية – القانونية – الدستورية – الاقتصادية – المالية – الإجتماعية للواقع السياسي اللبناني وما تفرّع منه من مشاكل إستعصى حلّها لأنّ الديمقراطية إنتُهِكَتْ عبر قانون إنتخابي جرى إعتماده لدورتين متتاليتين أسفر عن تحجيم دور قوى وطنيّة مستقلّة ليحلّ محلّها مجموعة أشخاص نافذين مقتدرين مأجورين في المجلس النيابي والدليل ما يُعانيه الشعب اللبناني من ويلات وفي كافة الإتجاهات.

من المفترض كسفارة وكمبعوث سلمي لحل أزمة أن تكمن رؤية دبلوماسيتكم في بناء مشروع سياسي إنساني يقوم على إعادة تبّني الأخلاقيات السياسيّة الوطنية الراقيّة والإبداع العلمي الصادق في العمل الدبلوماسي والسياسي وتقديم نموذج لمنظومة سياسية تُسهم في إعادة مؤسسات الجمهورية اللبنانية على قواعد دستورية قانونية وطنية وفي إعادة بناء الجمهورية اللبنانية على قاعدة المعرفة الصرفة لا على قاعدة تسويات مؤقتة من هنا وهناك تُراعي مصالح الجميع إلّا مصلحة الشعب اللبناني.

المطلوب منكم وبصيغة أخويّة وحرصاً على العلاقات التاريخية القائمة بين فرنسا ولبنان تطوير خطة مدروسة تتناغم مع البيئة اللبنانية الحُرّة وحاجاتها والتفاعل وتطبيق المقررات الدولية ذات الصلة بالقضية اللبنانية وترسيخ علاقات مع أطراف لبنانية تعتمد الديمقراطية في الممارسة السياسية وشرعة حقوق الإنسان كما الدستور اللبناني والتي تعمل على إعادة تثبيت هوية وطنية مستقلّة والمحافظة على الخصوصية اللبنانية وخدمة المجتمع اللبناني – العربي – الدولي.

المطلوب من دبلوماسيتكم سَماع الصوت الحر لا إقصائه والتمعُّن في مفاصل الأزمة اللبنانية، وبدأ مفاوضات مع الشرفاء وهم كُثُر وأغلبية طاقم سفارتكم يعلم أغلبيتهم سواء أكانوا داخل لبنان أو في فرنسا أو في بلدان الاتحاد الأوروبي وهم أكثرية ولا داعي لتذكيركم أنهم في طليعة القوى الإغترابية المثقفّة والمنظّمة التي تحمل شتّى الإختصاصات وتتبوأ مراكز عليا في هذه الدول.

بكوني باحث سياسي وناشط سياسي ومتخصص في «العلوم السياسية» وإستناداً إلى العديد من الدراسات ذات الشأن الدبلوماسي الفرنسي الكاردينال C.Richelieu هو من أبرز الذين نجحوا في إدخال بعض الإصلاحات في كل من نظرية الدبلوماسي وممارسته. فقد كان له السبق في تقرير عدد من المبادئ وأهمها:

1- الدبلوماسية نهج متصل وليست مجرد عملية وقتيّة، وهذا يعني أن تهدف إلى إنجاز إتفاقات دائمة تؤدي إلى إقامة علاقات وطيدة يستفيد منها الجميع لا أن تأتي على حساب أحد من الأطراف المتحاورة.

2- إنّ لمصلحة الدولة الأولويّة على ما عداها، وإنها فوق الميول العاطفية والأيديولوجية، وإنها تجيز للدولة التحالف مع أيّة دولة أخرى وحتى وإن كانت الثانية منبوذة طالما أن مثل هذا التحالف يخدم هذه المصلحة.

3- توجيه الرأي العام بحيث يدرك أبعاد سياسة الدولة أو يؤيدها.

4- الحذر عند الدخول في مفاوضات تتعلق بإبرام معاهدة بين دولتين أو أكثر.

5- التأكُّد من موقع المفاوض ووضعه فلا بُد من أن يتأكد كل طرف في العملية التفاوضية من أن الفريق الآخر يمثِّل فعلاً السلطة ذات السيادة في بلده وذلك كي يصل إلى اليقين بأنّ الإتفاق الذي يتوصل إليه ستصادق عليه تلك السلطة.

إنطلاقاً ممّا أدرجته وحرصاً على سلامة مسعاكم المطلوب منكم صياغة مشروع لبناني – إقليمي – دولي يرتكز على ما يلي:

• السيادة الوطنيّة: هي أهم البنود الرئيسية التي يجب أن تتضمنها «التسوية الرئاسية» حيث من المفترض ترسيخ سيادة الدولة على أراضيها لأنها شرط أساسي للوصول إلى تسوية قابلة للتطبيق عملياً.

• السلطة السياسية: المجتمع اللبناني يُدار عبر أشخاص لا يمكلون سلطة واسعة وهم حُكماً مأجورين للغريب وتتحكّم بهم مصالح خارجية غالباً ما تأتي على حساب مصلحة الجمهورية وعملهم للأسف ينحصر في الكيدية السياسية وعدم توفير الحماية لمؤسسات الدولة وأكثر من ذلك إنهم لا يقومون بتنظيم حياة اللبنانيين وتحركاتهم ومطالبهم الحياتية في كل مجال.

• السلطة الأمنية: من المتعارف عليه تُساعد البعثات الدبلوماسية على تعزيز سيادة القانون من خلال إستعادة الأمن والحفاظ عليه وحماية المدنيين ممّا يمهِّد الطريق لبناء سلام.

• السلطة القضائية: حيث أن شعوب العالم تؤكد في ميثاق الأمم المتحدة في جملة أمور تصميمها على تهيئة ظروف يمكن في ظلها أن تسود العدالة وعلى تحقيق التعاون الدولي في ميدان تعزيز وتشجيع إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية دون أي تمييز.

عملياً وإنطلاقاً من الثوابت الأربعة نرغب المساعدة في خلق تسوية رئاسية تأخذ بعين الإعتبار ما أدرجناه عموماً من خلال الإتفاق على إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وإننا على يقين أن هذا الرئيس لا يحمل عصا سحرية ولكن المهم أن يبدأ بتنفيذ ما أوردناه وإلّا أي تسوية لا تحمل الهواجس التي ذكرناها ستكون الباب الرئيس لتسوية فوضوية من شأنها إبقاء الأمور على ما هي عليه وبالتالي سنكون أمام أمــر واقع سيُهدِّد السلم الوطني – الإقليمي – الدولي، وللبحث صلة.