Site icon IMLebanon

تسوية لبنانية معدّلة بضمانة فرنسية تعيد إطلاق الدينامية الحكومية

تسوية لبنانية معدّلة بضمانة فرنسية تعيد إطلاق الدينامية الحكومية

إجتماع قريب لمجموعة الدعم الدولية يواكب الحوار المحلي ويعطي قوة دفع للنأي بالنفس

 

الحبكة الفرنسية لمجموعة تفاهمات  لا تقتصر على الشأن اللبناني، بل تقوم  على الحدّ من توسع النفوذ الإيراني

لم يعد خافياً أن الحرب السياسية والديبلوماسية التي خيضت في الأسبوعين الفائتين على خلفية أزمة الإستقالة – المطواة مرحلياً، ليست سوى معركة في سياق مجموعة من الحروب التي قد لا تُقفل قريباً، نتيجة إحتدام الصراع الإقليمي بين المحورين العربي والإيراني، بما ينطويان على ملاحق ومتممات وفروع.

من الواضح أن الإدارة الرئاسية الأميركية باتت في صلب هذا الصراع، نتيجة موقفها المبدئي من الإتفاق النووي الذي أعاد إيران الى المجتمع الدولي ورفع عنها العقوبات، والى حدّ ما أضفى شرعية دولية على سياساتها في الإقليم المحيط من اليمن حتى فلسطين، وهو ما تسعى الإدارة الأميركية الى الحد منه قدر الإمكان بفعل إقتناع الرئيس دونالد ترامب أن طهران هي مصدر شرور المنطقة، في إستعادة لما كان يعتقد به الرئيس الأسبق جورج ووكر بوش الذي سبق أن قسّم العالم بين محوريّ خير وشر، وهي مقاربة تكاد تكون ثيولوجية أورثت العالم في حينه، كما على مرّ تاريخ الأمم، الكثير من الحروب والدمار، لكنها أغنت صناعة السلاح الأميركي، وهي التي تشكل اللبنة الأكبر في سياق اللوبيات العاملة في الولايات المتحدة والمؤثرة في القرار السياسي والعسكري –الحربي، وفي تحديد إتجاهات الرأي، وتالياً خيارات الناخبين النيابية والرئاسية.

تعتقد الإدارة الأميركية أن حزب الله هو أكثر الأذرع التي ترتكز عليها إيران في تصدير نفوذها، وإستطرادا ثورتها الإسلامية، لذا هي لن تفوّت فرصة أو مناسبة لضرب هذه الذراع. وما العقوبات ومحاولة محاصرة الحزب ماليا وإقتصاديا إلا جزء من الحرب المقررة عليه والتي كان ثمة سعي الى أن تنخرط فيها دول عدة عربية وغربية، بما يتيح تشكيل تحالف دولي مهمتّه تطويق النفوذ الإيراني. ولا تخفي هذا الإدارة إمكان تحويل هذا التحالف من سياسي – ديبلوماسي – إقتصادي الى آخر محدّث غير منزوع المخالب، بما يعني إحتمال أن تصبح القوة العسكرية أحد الأدوات التي قد تستعمل في إطار هذا التحالف، ضد إيران أو ضد حزب الله، أو ضدهما معاً.

في مقابل هذا الإتجاه الخليجي – الأميركي، تسعى أوروبا الى محاولة إحتواء أي تصعيد عسكري في المنطقة، ينعكس سلباً على الإستقرار اللبناني، من خلال فتح حوار مباشر مع أطراف الأزمة، وخصوصا إيران، عبر حضّها على الحدّ من مناطق التوتّر وتقليص نشاطاتها الخارجية، والطلب من حزب الله إنهاء وجوده في سوريا والعراق واليمن واماكن الصراع المفتوحة، في مقابل التعهد بحماية الإتفاق النووي الذي أعطى لطهران جرعة أوكسيجين منعشة إثر 3 عقود من الحصار الكامل.

تتصدّر فرنسا هذا التوجّه، وتسعى الى حبك مجموعة تفاهمات لا تقتصر على الشأن اللبناني، تقوم على الحد من توسع النفوذ الإيراني، لكن في الوقت نفسه تأخذ في الإعتبار عدم إثارة طهران. لذا ذهبت الإدارة الرئاسية الفرنسية الى بث رسائل مطمئنة، من مثل تأكيدها تمسك المجتمع الدولي بالإتفاق النووي، في مقابل إثارة مسألة البرنامج الصاروخي البالستي، بما من شأنه إيجاد أو إشغال مساحة وسطى بين الموقف الإيراني وبين الموقف الرئاسي الأميركي الداعي الى إعادة النظر في الإتفاق، من دون أن يأخذ الرئيس دونالد ترامب حتى اللحظة أي خطوة عملية في هذا السياق.

وإستطاعت باريس في الساعات الأخيرة إحتواء الهجوم الايراني العنيف – والمتسرّع نوعا ما- على المسعى الفرنسي، من خلال رسائل مباشرة أوضحت فيها مراميها والقصد من إثارة مسألة البرنامج الصاروخي، بعدما إعتبرت القيادة الإيرانية أن عمل فرنسا على مجموعة حلول في العراق وسوريا ولبنان يستهدفها ويتناقض ومصالحها.

في سياق متصل، بلغ الإدارة الرئاسية والديبلوماسية اللبنانية أن باريس تبحث في إستضافة اجتماع (ربما وزاري) لمجموعة الدعم الدولية الخاصة بلبنان، وتشمل بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة وألمانيا. ويرمي هذا المجهود الى تأكيد الحرص الدولي غير الملتبس على الإستقرار اللبناني، وفي الوقت عينه بلورة صيغة سياسية تحظى بأوسع توافق محلي، تشكل قوة دفع للحوار اللبناني المنتظر، ووظيفته الرئيسة تكريس النأي بالنفس عن الصراعات المحيطة، وهذه الوظيفة هي أحد أبرز ركائز التسوية المعدّلة والتي من شأنها أن تعيد إطلاق دينامية العمل الحكومي.