يُجمع كثير من المراقبين على انّ اجتماعات فيينا المتعددة الاطراف في شأن الازمة السورية تشكّل نقطة تحوّل في مسار هذه الأزمة ومصيرها، وستتبلور نتائجها في قابل الايّام وتدخل معها سوريا والمنطقة في مرحلة جديدة.
يقول سياسيون متابعون للأزمة السورية انّ اجتماعات فيينا هي أولى النتائج المباشرة للتدخل العسكري الروسي في سوريا الذي مضى عليه شهر حتى الآن.
ويضيف هؤلاء أنه على رغم من انّ المفاعيل الميدانية الحاسمة لهذا التدخل لم تأخذ مداها النهائي المؤثر والانقلابي على صعيد الميدان السوري بعد، فإنّ ذلك سيحدث حتماً خلال الاسابيع المقبلة في القواعد المباشرة والخلفية للتنظيمات المتطرفة، ضمن سياسة مراكمة ضربات تستهدف القواعد الخلفية للمسلحين المتطرفين ستؤتي أُكلها في لحظة انهيار استراتيجية.
ويرى السياسيون أنفسهم انّ الولايات المتحدة الاميركية والدول الغربية عموماً أدركت المخاطر المقبلة التي ستنجم من انقلاب المعايير وموازين القوى في الميدان السوري، ولذلك سارعت الادارة الاميركية بالذات الى اتخاذ مجموعة من الخطوات وفق المعايير البراغماتية الاميركية بغية التكيّف والتعايش مع كل هذه المستجدات والحد من الخسائر إزاء الخطوة الروسية.
وفي هذا السياق يقول المراقبون انّ لقاءات فيينا مرتبطة بثلاث مسائل أساسية:
– الاولى، الحضور الروسي العسكري المؤثر في ملعب شرق المتوسط وبمعايير جديدة قالبة للتوازن او كاسرة له.
– الثانية، اللقاء الاخير في موسكو بين الرئيسين الروسي والسوري فلاديمير بوتين وبشار الاسد، والذي ستبقى أسراره وما طرح فيه ورقة ضخمة في يد الرئيس الروسي.
– الثالثة، الحضور المؤثر لإيران في اجتماعات فيينا شكلاً ومضموناً، والذي جاء بعد توقيع الاتفاق على الملف النووي الايراني بين طهران ومجموعة دول الخمسة زائداً واحداً.
ويؤكد المراقبون أنّ هذه المسائل الثلاث التي أنتجت مشهد فيينا أمس تؤسس في وضوح وبالحدود الدنيا لِما سمعه الجميع من انه من رَحم اجتماعات فيينا ستولّد سياقات جديدة تتعلق بالأزمة السورية، وهذه السياقات تعلن:
أولاً، سقوط كل الطروحات السابقة التي اعتمدت لمقاربة الازمة السورية، وعلى رأسها ما سمّي «جنيف ـ 1».
ثانياً، سقوط منظومة ما سمّي «أصدقاء سوريا» الذين كانوا يجتمعون من حين الى آخر وينظّرون على الجميع بالوقائع والنتائج على الساحة السورية.
ثالثاً، دخول عناصر اساسية على مشهد الحاضرين تبدأ بإيران ومصر والعراق والاردن وتركيا.
رابعاً، إختفاء الحضور القطري والخليجي المؤثر عموماً، وكذلك غياب الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي ومؤسسة الجامعة عن الحضور في هذه الاجتماعات.
خامساً، طرح معايير جديدة واختفاء كل الادبيات السابقة، إذ لم يعد هناك حديث عن «انتقال السلطة» و»الحل الانتقالي» وغيره من المصطلحات، بحيث انه يتم الحديث عمّا يقرره الشعب السوري، وعن أولوية الحرب على الارهاب وضرورة الوصول الى حل سياسي للأزمة السورية يشارك فيه جميع الاطراف.
خامساً، تنحية عنوان الاسد جانباً خارج أي بحث، على رغم استمرار البعض في طرح تنحّيه عن السلطة في إطار تعزيز موقفه التفاوضي.
ويقول هؤلاء السياسيون إنّ كل هذا الذي وصل الى طاولة التفاوض في فيينا كان نتيجة قوة الدفع التي شكّلها الحضور الروسي القالب للوقائع الاستراتيجية، والذي سيفضي في الاسابيع المقبلة الى مزيد من التظهير والترسيخ لهذه الوقائع الجديدة، لأنّ الضغط الميداني الروسي الى جانب الجيش السوري وحلفائه، يُراكِم «إنجازات صامتة» عبر ضرب كل منظومات التحكم والسيطرة الخلفية للتنظيمات المسلحة المتطرفة تأسيساً للحظة انهيارها الآتية.
وفي ضوء اجتماعات فيينا ليس من المنتظر ان تحصل في لبنان ايّ تطورات سريعة تُفضي الى حل أزمته، وذلك في انتظار ما ستفضي اليه تلك الاجتماعات في شأن مصير الازمة السورية التي باتت معالجتها في رأي موسكو وكثير من العواصم المدخل الى معالجة كل ازمات المنطقة.
ويبدو انّ الاهتمام سيتركّز على تنشيط عمل مؤسسة مجلس الوزراء عبر انعقاده قريباً لإنهاء ازمة النفايات، وذلك في موازاة عودة العمل التشريعي الى مجلس النواب، وكذلك المضيّ في تعزيز الاستقرار الأمني في البلاد، وذلك في انتظار صيرورة الازمة السورية الى الحل.