Site icon IMLebanon

ستار غامض يغطي مبادرة ترامب واغتيال صالح

 

ستار غامض يغطي مبادرة ترامب واغتيال صالح

مظلة السلطة السياسية من فوق

أفضل من وحدة هشّة من تحت

فجأة خربت الدنيا. وحلّت حرب عالمية كبرى، محلّ الحروب الاقليمية الصغرى.

كانت البلاد تشعر بفرح غامض، عندما رجع الرئيس سعد الحريري عن استقالته، التي قدّمها على الهواء من مدينة الرياض، وتلقفها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بذهول هو أقرب الى الاستياء منه الى التفاهم. ذلك ان رئيس الحكومة كان في بيروت، وقيل انه استدعي الى العاصمة السعودية وأرسل منها استقالة ملتبسة، قال رئيس الجمهورية انه أجبر عليها، وقام رفض غامض الهوية ضدها، وأورد سياسيون ان تفاهما قد تمّ بين الرئيسين عون ونبيه بري على رفض الاستقالة رفضا قاطعا، الى حين عودة الرئيس سعد الى بيروت للتداول في أسبابها، والوقوف على أطلال الحرب الجديدة على الصعيد اللبناني.

قبل مبادرة رئيس مجلس الوزراء الى الاتصال برئيس الجمهورية، والتأكيد له انه آتٍ الى بيروت، بعد استقالته لحضور احتفالات عيد الاستقلال في ٢٢ تشرين الثاني، وتقبّل التهاني في القصر الجمهوري مع رئيس البلاد ورئيس البرلمان، دوت عاصفة من التصفيق والترحيب ب عودة الوفاق والتوافق الى العلاقات بين الرؤساء الثلاثة. ذلك ان المخاوف سرت في ليالي الأزمة، من ظهور جديد للخلاف بين الطائفة المسيحية من جهة والطائفتين الاسلاميتين الشيعية والسنّية من جهة أخرى، الأمر الذي أعاد مخاوف جديدة، من احتمال اندلاع الصراع المذهبي بين الشيعة والسنّة، وبين الطائفة السنّية والطوائف المسيحية، وهذا هو الخطر الأكبر على الحياة السياسية اللبنانية.

منذ حوالى نصف قرن، دارت حرب ضروس بين الطائفة السنّية والطوائف المسيحية بلغت ذروتها في العام ١٩٧٦، عندما بادر العميد أول عزيز الأحدب الى اذاعة البلاغ رقم واحد ايذانا بحدوث انقلاب عسكري، عبر بيان مكتوب أذاعه من تلفزيون لبنان وانتقل فيما بعد الى اذاعة لبنان دعا فيه رئيس الجمهورية سليمان فرنجيه الى الاستقالة، مع تعهّد بحمايته أمنيا، بعدما كان رئيس الجمهورية قد انتقل من القصر الجمهوري في بعبدا، بعد تدميره بمدفعية جيش لبنان العربي الى مصيف وزير الخارجية السابق لوسيان دحداح في بلدة الكفور واتخذ من القصر البلدي في ذوق مكايل، فرعا لرئاسة الجمهورية.

 

إلاّ أن انقلاب الأحدب عاش ٤٨ ساعة، ثم أصبح ظاهرة على الورق بسبب الهيمنة السورية على لبنان، ووصف مبادرة انقلاب الأحدب بأنها من صنع المقاومة الفلسطينية، ووقوف معظم اللبنانيين المسيحيين الى جانب الرئيس سليمان فرنجيه.

إلاّ أن استقالة الرئيس سعد الحريري دحضت معظم التأويلات بعودته الى البلاد، وتراجعه عن الاستقالة، وعودته الى بيت الوسط مقر اقامته في بيروت، وقيام تحالف ثلاثي أنعش الحياة السياسية في البلاد، وجعل الرؤساء الثلاثة للرئاسة الأولى وللرئاستين الثانية والثالثة، حزمة واحدة حول مرجعية الدولة اللبنانية التي يقودها الرئيس ميشال عون بشجاعة نادرة في الأيام الحالكة.

ويقول الوزير والنائب السابق ادمون رزق ان وحدة الدولة من فوق، كرّست وجود مظلّة سياسية فوق الحكم، ترعاه وتحميه من الحزبيات الانفصالية ذات الطابع الانفصالي، وان شبه الاجماع على الوحدة من فوق، أفضل كثيرا من الوحدة من تحت، لأنها أثبتت ان الشعب اللبناني بمعظم طوائفه التقى في حومة الدولة الواحدة، ولم يسقط في وهدة الدويلات المتزاحمة على النفوذ.

ماذا يعني كلام ادمون رزق. والجواب على هذا السؤال معروف، فالرجل كان طوال حياته رجل الدولة الواحدة، لا رجل الدويلات. ولهذا السبب فقد فاز في الانتخابات النيابية مع النائب فريد سرحال، وظلّ يخاطب النائب السابق جان عزيز، بعد تفوّقه عليه في الانتخابات النيابية ب المعلّم لأنه ظلّ رجل الدولة الواحدة من أيام الرئيس فؤاد شهاب الى أيام الرئيسين شارل حلو وسليمان فرنجيه، خصوصا عندما جثمت الصراعات الطائفية على أكتاف مدينة الشلاّل، في جزين.

إلاّ أن الرئيس سليمان فرنجيه استطاع مع النائب الراحل نديم سالم أن يجعلا من جزين مدينة الوحدة الجنوبية، كما كانت على أيام نقولا سالم ومارون كنعان، ذلك ان الكبار في السياسة بتصرّفون كما تصرّف جان عزيز عندما تحالف مع الأقوياء، لا مع الضعفاء.

ويمكن القول ان الرئيس ميشال عون عرف كيف يقود البلاد في مرحلة صعبة، في سياسة لبنانية واضحة اتسمت بالحكمة، وأثبت جدارته في ممارسة الحنكة السياسية، لصيانة وحدة البلد الواحد.

والجميع، ومن كل الفئات وصفوا العماد ميشال عون بالرجل الحكيم، المؤهل لقيادة سفينة الحكم باعتدال، وبتعاون ثابت مع رجل البرلمان نبيه بري، لبلورة وحدة غير قابلة للضعف، على الرغم من قيام جبهة معارضة قوية بزعامة حزب حزب الكتائب اللبنانية ورئيسه الجديد الشيخ سامي الجميّل، وبدعم من الرئيس السابق للجمهورية الشيخ أمين الجميّل.

ويقول العارفون بالأسرار، ان ما أصاب الثنائية المسيحية المؤلفة من حزب التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية من وهن وخلافات، لم يسقط الرهان على عودة الوحدة الى سابق عهدها، مع احتمال ترميم ما أصاب القوتين المسيحيتين من تباينات وصراعات.

ويقول معظم النواب عشيّة إقرار ما ينبغي إقراره، لاجراء الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، ان بعض القضايا الأساسية وخصوصا قوانين الايجارات والمبادرة التعليمية، لا يزال الوقت يسمح، خلال الأشهر الخمسة المقبلة الى التصحيح والتصويب، لأن نقل الظلم من فئة الى أخرى غير مفيد لأحد، ولا سيما بعد استمرار خمس سنوات على الأقل، من دون أي مبادرة اصلاح حقيقية وهذا ما يحتّم وجود ثلاثة رؤساء أقوياء في البلاد يمثلهم الثلاثي عون وبري والحريري.

الحرب الجديدة

كان ذلك في الخامس والعشرين من شهر أيلول في العام ١٩٥٧، في مدينة أوستن في الولايات المتحدة الأميركية، والبعيدة ربع ساعة في السيارة من العاصمة الأميركية واشنطن.

قرع احد الصحافيين الباب المؤدي الى غرفة واسعة تدور فيها مداخلات حول الصحافة في العصر الجديد واستأذن مدير معهد الصحافيين الأجانب في الدخول، وطلب منه الادلاء بمداخلة قصيرة، قال فيها: إن مدير مكتب العقيد علي عبدالله صالح، المسؤول الكبير في جمهورية اليمن العربية، يشكو من ان أحد الصحافيين عن الدورة تعرّض لعبارات غير لائقة من أحد المحاضرين. وأردف جورج كريمسكي مدير معهد الصحافيين الأجانب، ان رجل اليمن القوي يريد معرفة الحقيقة في هذا الأمر، لأن الصحافي الذي يشير اليه، موجود في الغرفة نفسها.

ووقف الصحافي الشاب، وتحدث عن نفسه وقال انه طرح سؤالا قبل ثلاثة أيام على محاضر سمّاه بالاسم، وقوبل بازدراء لا يليق به، ولا بالادارة الأميركية التي دعته الى واشنطن للتعلّم لا للتعليم عليه.

ووقف صحافي عربي عريق، وبادر الجميع بأنه يتضامن مع الرئيس علي عبدالله صالح آخر شهداء الصحافة في اليمن السعيد، وقال ان الذي تهكّم أو أهان الصحافي اليمني في هذه الدورة الاعلامية، وجّه صفعة قاسية الى معهد الصحافيين الأجانب، وانه قبل حضوره الى الولايات المتحدة، عرف ان الدورة علمية لا تهكمية.

وعلى الفور جرى تعليق المحاضرات، وبدأ التحقيق في الأمر، لأن وزارة الاعلام الأميركية لا تفسح في المجال للتهكّم على أحد.

بعد سنوات جرت محاولات لتوحيد اليمنين الشمالي والجنوبي، وجرى اختيار علي عبدالله صالح لرئاسة جمهورية صنعاء ووصل بعد حين علي سالم البيض الى قيادة جمهورية عدن الجنوبية وكان يلقب في ذلك الوقت ب بريجنيف عدن.

عاشت الوحدة بين شطري اليمن عمر الزهور، وزحف شرخ الانقسام الى جمهورية صنعاء الشمالية والى دولة عدن الجنوبية الى ان قاد الرئيس علي عبدالله صالح حربا على عدن، أطاحت جمهوريتها، واستطاع بقوته العسكرية أن يبسط وحدة يمنية على الشطرين عاصمتها صنعاء.

بعد ذلك جرت تصفية جمهورية الماركسيين في عدن، وتعززت جمهورية صنعاء بزعامة علي عبدالله صالح الرجل العسكري القوي، الذي استطاع الهيمنة على جمهورية اليمن بشطريها الشمالي والجنوبي.

في الحقبة الأخيرة، أي قبل سنوات عديدة انقرض الماركسيون في اليمن الجنوبي، وطار علي سالم البيض من حكم عدن ومعه شلّة من المفكرين الكبار من أنصار منظمة العمل الشيوعي بزعامة محسن ابراهيم اللبناني العريق في اليسار غير الشيوعي. لقد طار بريجنيف من حكم الاتحاد السوفياتي السابق، وأصبحت جمهورية اليمن جمهورية علي عبدالله صالح الى ان ظهر المدّ السياسي والطائفي في شطري اليمن وأصبحت صنعاء معقل الحوثيين الموالين لدولة ايران، وانحسر النفوذ اليساري، خصوصا بعد الصراع العنيف بين المملكة العربية السعودية من جهة، ودولة الحوثيين ومعهم علي عبدالله صالح الذي اضطر الى التسليم بنفوذ الحوثيين، الى ان انقلب أخيرا عليهم، وامتدت يداه الى المملكة العربية السعودية، لكن الحوثيين نجحوا في الاجهاز عليه وقتلوه مع ابن شقيقه في صنعاء.

وفي المعلومات انه غداة مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي اضطر الى الاستقالة وتسليم رئاسة اليمن الى الرئيس الحالي عبد ربه منصور، دعا مجلس الأمن الدولي أطراف الأزمة اليمنية الى الحوار السياسي الذي توقف منذ بعض الوقت.

ونقل عن الرئيس الحالي لمجلس الأمن الدولي المندوب الياباني الدائم لدى الأمم المتحدة السفير كوروبيسو ان مجلس الأمن دعا جميع الأطراف في اليمن، الى وقف العنف والى التزام من دون شروط، العملية السياسية من أجل وقف دائم للنار.

ويقول العارفون بواقع اليمن ان التطورات الأخيرة تحمل معها مخاطر بالغة الأهمية، فيما أصدر أحمد صالح نجل الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح بيانا تعهّد فيه مواجهة أعداء الوطن، وقال القائد السابق للحرس الجمهوري ان والده قتل في منزله على يد الحوثيين، وانه سيواجه أعداء اليمن والانسانية الذين يحاولون طمس هويته وهدم مكتسباته وإذلال اليمن واليمنيين.

والسؤال الذي يطرحه المراقبون: أي يمن سيرى السياسيون في صنعاء المعقل السابق للرئيس السابق علي عبدالله صالح، والملاذ الأخير للحوثيين.

لا أحد يعرف حاليا، تفاصيل المستقبل الغامض، لكن ثمة اعتقادا، بأن اليمن السعيد لم تعد سعيدة الآن بما آلت اليه مصالح المتصارعين، حيث يزعم الحوثيون انهم سيطروا بمصرع صالح على اليمن، وانهم في مواقع القوة لا الضعف، إلاّ أن الحرب بين السعودية والحوثيين لا تهدأ بسهولة ولا أحد يستبعد حربا طويلة الأمد بين الفريقين.

وفي رأي أقطاب في السياسة ان اجتماع الدعم للبنان الذي انعقد أواخر الأسبوع الفائت في باريس، قد كرّس أيضا وجود قوة دولية واسعة، لدعم لبنان في أزمته الراهنة، خصوصا بعد اقدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب على خطوته بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة لاسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس، خطوة متسرّعة لم يقدم عليها أي رئيس جمهورية أميركي سابق.

ويروي ديبلوماسي أوروبي ان مجموعة الدعم الدولية، انطلقت من مبادرة فرنسية العام ٢٠١٣ في الأمم المتحدة، وكان هدفها، دعم لبنان وتعزيز موقعه في مواجهة تحديات الأزمة السورية، ومساعدته أيضا لتكون رسالة لدعم الصيغة اللبنانية والمحافظة عليها، لمواجهة التوترات الاقليمية والمحافظة على اسقراره وسيادته وسلامة أراضيه.

ولاحظ هؤلاء ان لبنان معرّض لضغوط من الخارج من شأنها اضعافه اقليميا، ليعود تاليا الى المجتمع الدولي بجهود أقوى وأفعل.