IMLebanon

أمة تغرق في ماضيها وعالم يتطلع الى المستقبل

جاء في تغريدة على الانترنت أن أعمار أربعة رؤساء في العالم هي في حدود الأربعينات، بينما أعمار ثلاثة رؤساء عرب هي في الثمانينات. الرئيس الفرنسي ماكرون في التاسعة والثلاثين، ورئيس وزراء كندا في الخامسة والأربعين، ورئيس وزراء بلجيكا في الحادية والأربعين ورئيس وزراء اللكسمبورغ في الرابعة والأربعين. أما الرؤساء العرب فهم رؤساء الجزائر وتونس ولبنان. وهذا الأمر لا يضير هؤلاء الرؤساء الثلاثة العرب في شيء، ولا ينقص شيئا من فكرهم وقدرتهم وحكمتهم. ولكن المغزى من كل ذلك، هو أن المجتمعات الهرمة في القارة العجوز أوروبا تختار لها قادة من الشباب، في حين ان المجتمعات العربية التي يطغى عليها عنصر الشباب تختار قادة من المتقدمين في السنّ!

بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، أدركت أمم كثيرة في العالم أن قوتها في وحدتها. وهكذا اتجهت أمم أوروبا الى تأسيس سوق مشتركة لها وأعلنت رسميا عام ١٩٥١، وقادت الى اعلان الاتحاد الأوروبي في معاهدة ماستريخت عام ١٩٩٢. وكانت الدول العربية قد سبقتها باعلان جامعة الدول العربية عام ١٩٤٥. والفارق بين المثالين الأوروبي والعربي ان الحكومات الأوروبية وضعت مسارا علميا متدرجا لوحدتها وتوجته باتحادها. أما الحكومات العربية فقد أسست الجامعة على الاعتبارات العاطفية والمجاملات الأخوية في شكل كونفيدرالي شكلي…

اليوم، وعلى الرغم من قرار بريطانيا الخروج، فان الاتحاد الأوروبي مستمر.

وعندما سقط اليونان أحد أعضاء الاتحاد في كارثة مديونيته، فقد وجد من يلمّه ويساعده على النهوض من شركائه في الاتحاد. أما العرب، فعندما أقاموا أول وحدة بين مصر وسوريا فانها لم تدم سوى سنوات قليلة. أما مجلس التعاون الخليجي فقد أثبت صلابته ورسوخه ولكنه ها هو يتعثر اليوم بانفجار الأزمة مع قطر أحد أعضائه. وما يدعو الى الدهشة ان الجامعة العربية لم تتحرك للوساطة ولو شكليا، والكويت هي التي أنقذت الموقف بالمبادرة الى الوساطة، ولكن… سارعت أميركا الى فرض وساطتها بعد أن دعمت جانبا من النزاع، في حين بادرت تركيا الى دعم قطر علنا ومباشرة وبارسال قوات عسكرية اليها، بينما دعمتها ايران سياسيا ولوجستيا وغير ذلك!

عندما اندلعت الحرب اللبنانية ودامت نحو عقد ونصف العقد، كان العالم العربي ينعم بالهدوء والسكينة ولو في الظاهر على الأقل. واليوم يلتهب العالم العربي بالحروب الساخنة والباردة، بينما لا نصدق نحن في لبنان اننا نعيش حالة تحرص فيها الأطراف كافة على الليونة في التعامل، وتجنّب التشنجات والتوتر ما أمكن، انفاذا لقرار ضمني قاطع لدى جميع المكونات بعدم المواجهة والصدام بعد اليوم. بل ان المجتمع اللبناني توحّد وان بدرجات متفاوتة، على أن العدو هو اسرائيل، وليس أي طرف داخلي أو عربي أو اقليمي…

غير أن تصريحات صادمة صدرت في الآونة الأخيرة حرّكت الجمر تحت الرماد، عند الحديث عن أن مئات الألوف من المتطوعين سيشاركون في صد أي عدوان جديد لاسرائيل على لبنان. وما أثار النقزة هو اشارة ضمنية الى لون معيّن لأولئك المتطوعين. ولو تحدثت تلك التصريحات عن متطوعين من أحرار العالم لكان لها الطابع الانساني، أو عن أحرار الأمة لكان لها الطابع القومي… فما هي المصلحة من الاشارة الى لون معيّن، وما يثيره ذلك من حساسيات ليس في لبنان وحسب، وانما في العمق العربي للبنان أيضا؟!

اليمن عضو في الجامعة العربية، وتتفشى فيه الكوليرا وويلات الحرب، ولا يجد من يلمّه، لا انسانيا ولا قوميا ولا اسلاميا. وسوريا على ما فيها من احتلالات لمنظمات ارهابية، تتعرّض لاحتلال أجنبي بذريعة محاربة الارهاب! وأميركا ترسل قوات منها على دفعات دون طلب من حكومتها ودون تكليف من مجلس الأمن الدولي، بما يجعل من الوجود العسكري الأميركي في سوريا قوة احتلال صريح! وليس في العالم العربي من يتطلع الى المستقبل. والعراق مشغول بتنظيف ماضيه من آثار صدام حسين، وحاضره من العدوان الداعشي الوحشي. ومصر غارقة بحروبها الداخلية ضد الارهاب، والأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية، ولا من مغيث!.. ولكل دولة عربية مصائبها!

اسرائيل وحدها تتطلع الى المستقبل. وهي تستأجر الادارة الأميركية برئاسة ترامب كما تستدرج بعض الأنظمة العربية، لتصفية فلسطين وقضيتها، وتركز حربها المستقبلية ضد مصر كبرى الشقيقات العربيات لخنقها اقتصاديا… وهي ستباشر في وقت غير بعيد في شق قناتين توأمين ذهابا وايابا، تربط بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، لخنق الشريان الحيوي لمصر، قناة السويس…