Site icon IMLebanon

خط غاز طبيعي بين إيران وباكستان

في خطوة تُنبئ بجدية رفع العقوبات عن إيران، قامت باكستان بالطلب من الصين إنشاء الخط الباكستاني من أنبوب الغاز الذي يؤمّن الغاز الطبيعي من إيران إلى باكستان. هذا المشروع هو خطوة واعدة نحو انخراط إيران في الاقتصاد العالمي.

تُعاني باكستان أزمة نقص حادة في المحروقات، والتي تُسبب أزمة كهرباء بحكم النقص الكبير في فيول معامل توليد الطاقة. هذا الأمر دفعها في العام 2013، وفي عزّ الكباش بين إيران والمجتمع الدولي على برنامجها النووي، إلى التفاوض مع إيران على مَد أنبوب غاز من إيران إلى باكستان بهدف تزويد هذه الأخيرة بالغاز الطبيعي.

والأنبوب المسمّى «أنبوب السلام» هو عبارة عن أنبوب طوله 1750 كلم، منها 750 كلم في باكستان و1000 كلم في إيران، وسينقل الغاز الطبيعي من Asaloyeh في إيران إلى Nawabshah في باكستان على طول الساحل البحري للدولتين.

هذا المشروع الذي اتفقت عليه إيران وباكستان منذ عقدين لم يتم إنشاؤه حتى الساعة بسبب العقوبات على إيران، خصوصاً أنّ باكستان هي حليف أساسي للولايات المُتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية.

لكن الاتفاق المبدئي على الملف النووي الإيراني دفع باكستان، في خطوة استباقية، إلى الطلب من الصين إنشاء الشق الباكستاني من الأنبوب والذي تبلغ كلفته بين 1,5 و1,8 مليار دولار أميركي – 85% من هذا الملبغ مُموّل من الصين- حيث سيتمّ توقيع الاتفاق بين الصين وباكستان خلال زيارة الرئيس الصيني إلى إسلام أباد هذا الشهر. أمّا الشق الإيراني من أنبوب السلام، والذي يبلغ طوله بحدود الـ 1000 كلم، فقد تمّ إنشاؤه بالكامل بحسب السلطات الإيرانية.

الأبعاد الاقتصادية

إنّ أهمية هذا المشروع الاقتصادية تكمن في الفوائد التي يعود بها إلى إيران وباكستان، ولاحقاً (ربما) الهند. فإيران التي ترزح تحت العقوبات الدولية تُعاني شللاً كبيراً في الإستثمارات، خصوصاً في قطاع الطاقة الذي يُعاني غياب الإستثمارات منذ عقود. وتتمتع إيران بثروة غازية تبلغ 34 تريليون متر مكعب وثروة نفطية مُقدّرة بـ 154 مليار برميل (9% من إحتياط العالم).

لكنّ هذه الثروات تبقى قابعة في باطن الأرض بحكم العقوبات الدولية وبغياب الإستثمارات. ومدّ أنبوب الغاز من إيران إلى باكستان سيسمح لإيران من دون أدنى شك بالحصول على الأموال التي ستسمح لها قبل كل شيء بتخفيف عبء العقوبات التي طال أمدها (35 سنة) وفي الوقت نفسه ستسمح بالإستثمار في القطاع النفطي والغازي، ما سيسمح بزيادة الإنتاج اليومي من النفط البالغ مليون برميل يومياً (بدل 2,5 مليون برميل يومياً في العام 2011).

لكنّ طموحات إيران تبقى بتصدير الغاز إلى الهند ومنه إلى دول شرق آسيا، وهي دول مُستهلكة للطاقة بشكل كبير نظراً للنمو الذي تُسجّله إقتصادات هذه الدول مدعومة بتنافسية عالية إن من ناحية اليد العاملة أو من ناحية التكنولوجيا. وهذا الأمر إذا ما حصل، سيسمح لإيران بتصدير مُعظم إنتاجها إلى الأسواق الشرقية وسيدرّ عليها أموالاً طائلة.

أمّا باكستان فتكمن استفادتها الأولى بتخفيف العجز المُزمن في الوقود الذي يحتاجه هذا البلد المؤلّف من 199 مليون شخص لإنتاج الكهرباء. فعدة مدن كبرى تعيش ساعات طويلة تحت الظلام في ظاهرة غير طبيعية تشلّ الحركة الاقتصادية وتضرب النمو الاقتصادي في بلد مُتطور عسكرياً ومن العالم الثالث من ناحية الاقتصاد.

أمّا الهند فهي الدولة الرابحة الأولى في هذا المشروع – إذا ما تمّ وَصل الخط من باكستان إلى الهند- خصوصاً أنّ الهند مُستهلك كبير للطاقة، والطلب على الكهرباء سيزداد بفِعل عاملين: الأوّل النقص في التغطية والثاني إزدياد عدد السكان.

ويُرجّح بعض الباحثين (Zhao Hong) أن تكون الزيادة اليومية للطلب على النفط في هذا البلد بحدود الـ 400 ألف برميل يومياً. هذا الأمر سيدفع من دون أدنى شك إلى رفع الطلب على الغاز الطبيعي، خصوصاً مع وجود عدة عوامل تؤثر على العرض للنفط كظاهرة النضوب التي من المتوقع الوصول إلى قمة الإنتاج في العام 2036 (Energy Peak)، وعدم تطوير الطاقات البديلة، وغياب الكفاءة الحرارية في استخدام الطاقة وغيرها من العوامل.

قطاع النفط قد يدفع إيران الى الخارطة الإستراتيجية

أصبح القطاع الحراري عاملاً أساسياً في حياتنا العصرية، إن من ناحية دعم الاقتصاد أو من ناحية تأمين الراحة للإنسان. ويُعدّ استهلاك الطاقة المؤشّر الأول لتطوّر البلد وذلك من منطلق أنّ الدول المُتطورة إقتصادياً واجتماعياً تستهلك الطاقة بنسبة أكبر ممّا تستهلكه الدول النامية والتي هي في طور النمو. هذا الأمر يدفع بالطاقة لتكون عاملاً استراتيجياً في حسابات الدول، ويفرض وَضع استراتيجيات على الأمد البعيد بهدف تأمين مصادر الطاقة.

هذا الأمر فَهمته الولايات المُتحدة الأميركية من خمسينات القرن الماضي، ما دفعها إلى توقيع اتفاقية استراتيجية مع المملكة العربية السعودية لتأمين النفط لاقتصادها ومواطنيها.

اليوم، ومع وجود ظاهرة نضوب البترول ومع الأسعار التي قد يصِل إليها برميل النفط في حال خرج الاقتصاد العالمي من الركود، يدفع بالدول إلى اعتماد استراتيجيات تنويع في مصادر الطاقة كالغاز الطبيعي الذي بدأ يأخذ حيّزاً مهماً في السنين الماضية (33,5% من الطاقة المُستهلكة آتية من النفط، 26,8% من الفحم، 20,9% من الغاز، 5,8% من النووي، 10,6% من الطاقات المُتجددة – BP 2008).

من هذا المُنطلق وفي حال رضخت إيران لشروط المُجتمع الدولي في ما يخصّ برنامجها النووي، ستتحول إيران إلى مصدر اهتمام دولي لقطاعها النفطي، وذلك للأسباب التالية:

– ظاهرة نضوب النفط التي تضرب البلدان المُنتجة للنفط وخصوصاً بعض الدول الخليجية.

– صعوبة زيادة الإنتاج في الدول العربية الشرق أوسطية التي تؤمن ما يزيد عن 60% من الإنتاج العالمي.

– عدم استثمار نفط إيران وغازها حتى الساعة، ما يجعلها بلداً واعداً لتأمين قسم مهم من حاجات الاقتصاد العالمي في السنين القادمة.

والإهتمام الدولي بنفط إيران وغازها يُمكن ملاحظته من خلال الوفود الاقتصادية التي زارتها في بداية العام 2014 بُعيد الاتفاق على الملف النووي الإيراني وذلك طمعاً بتوقيع عقود استثمارية مع طهران، وقد ضمّت هذه الوفود رجال أعمال من فرنسا (107 أشخاص!) وإيطاليا والنمسا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها.

وهذا الأمر إذا ما دلّ على شيء، فإنما يدلّ على أهمية السوق الإيرانية بالنسبة للشركات النفطية العالمية (كونوكو، شيفرون، إكسون موبيل واناداركو)، ما قد يدفع بإيران إلى لعب دور إقتصادي واستراتيجي مهم في العقود القادمة.

لكن كل هذه النظرة التفاؤلية تبقى رهينة تنفيذ إيران للاتفاق على برنامجها النووي، والذي يُحرّم عليها تخصيب اليورانيوم مع حفظ حقها بامتلاك معامل نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية.