Site icon IMLebanon

فصل سوري جديد

أسباب كثيرة دفعت فلاديمير بوتين الى الاتفاق مع الاميركيين على وقف النار (الجزئي) في سوريا. وجلّها يوصل الى الافتراض بأنه معطى فرعي نازل من صلب الاتفاق المركزي الذي جاء به اصلاً ليطلق النار على المعارضة السورية.

وتلك حسبة يؤكدها الأداء الروسي قبل الاميركي. ويصحّ تأكيدها في مناسبة الوصول الى قرار الهدنة الحالية. وهذه في خطوطها العريضة (والرفيعة) تفيد بأن الاحيائي الروسي لم يأت الى سوريا كي يموت! ولم يأتِ اليها ليشعل من خلالها حرباً أكبر من جغرافيتها وقد توصل في الخلاصة الى تعميق أزمات أوسع مدى منها، فيما المؤمل (والحاصل) هو أنها إحدى أنجح الطرق الى معالجتها.

ولم تكذّب سوريا (أو بالأحرى نكبتها) خبراً أراده بوتين: من شمالها أعاد فتح طرقات مع الغرب (والمجتمع الدولي) كانت تداعيات ضم القرم وحرب أوكرانيا قد قطعتها. ومن خلال «عاصفة السوخوي» أمكنه لجم عواصف التنديد بأدائه وسياسته الباحثة عن إعادة إحياء أمجاد عالم مضى! وعلى وقع دماء السوريين، أمكنه التحول الى نقطة تقاطع تجمع أضداداً دولية كثيرة! وعلى أجنحة طيرانه الحربي وغاراته الحارقة أمكنه إعادة التحليق بنظامه بصفته محوراً في «الحرب على الارهاب»!

والأخطر والأهم من ذلك، هو انه بنى في سوريا حالة لم يسبق لها مثيل، ولم يقدر أحد غيره على بنائها: خاض (ويخوض) حرباً تديرها غرفة عمليات موصولة بإسرائيل من جهة وإيران وأتباعها من جهة ثانية! والطرفان يشيدان به! ولا يشكو أي منهما، من اي خلل! بل العكس هو الحاصل. اسرائيل مرتاحة! وايران مرتاحة! وليس مهماً بعد ذلك، ان شعب سوريا يدفع الثمن.. وبأرواح ودماء أبنائه تُبنى تلك الجسور الواصلة بين الأعداء!

لكن ذلك في خلاصته، لم يكن (وليس) كافياً لدفع بوتين الى تقديرات خاطئة وخطيرة، بل العكس، بحيث انه صار صاحب مصلحة أكيدة بالمحافظة على «إنجازاته» السورية وليس تهديدها او تعريضها للخطر. وهذا درس لم يستوعبه الرئيس السابق بشار الاسد. ولا يبدو ان ايران وأتباعها يستوعبونه بدورهم! ولذلك جاء قرار الهدنة في شكله كما في مضمونه ترجمة لاتفاق روسي اميركي مباشر ولا شيء آخر.. ولم تكن خافية على أحد حقيقة ان موسكو فرضت القرار فرضاً على الأسد والإيرانيين الذين كانوا على عادتهم، فتحوا صالة الأفراح باكراً، وراحوا يتبادلون التهاني بالانتصار الأخير على اعدائهم!

قد لا ينجح الاتفاق تماماً، (وكثيرون في الحقيقة يتوقعون ذلك) لكن أهميته تكمن في دلالته على ان موسكو قلبت من خلاله صفحة «عاصفة السوخوي» وقوّضت آمال ممانعة آخر زمن، وفتحت (مع واشنطن) فصلاً جديداً من هذه النكبة عنوانه الوحيد تقطيع الوقت بانتظار إدارة اميركية جديدة!… والى ذلك الحين، يمكن للجميع التسلي بخبرية «الحل السياسي» ومواصلة «الحرب على الإرهاب»!