IMLebanon

حرب باردة جديدة بلا ضوابط الحرب القديمة

 

الرئيس فلاديمير بوتين كان ولا يزال يمارس ببراعة لعبة معقدة مع الغرب الأميركي والأوروبي. وليس ما كشفه في الخطاب الأخير أمام الدوما سوى ما قال قبل سنوات انه سيفعله لاستعادة قواعد اللعبة أيام الاتحاد السوفياتي: التعامل مع موسكو من موقع الندّ للندّ على قمة العالم واحترام مصالحها أو دفع أثمان نقلة استراتيجية تتخطى التدخل العسكري المباشر في حرب جورجيا وحرب سوريا وغير المباشر في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم والشكوى من تمدّد حلف الناتو الى حدود روسيا.

وها هو اليوم يكرّس الانتقال من الرهان على تفاهم مع أميركا على شراكة في النظام العالمي وصفقة سياسية تمتد من سوريا الى أوكرانيا، فلم تستجب واشنطن، الى الرهان على المواجهة الشاملة حتى عسكريا. والثابت في الرهانين هو تعزيز قوة روسيا العسكرية بأكبر قدر من تحديث الأسلحة. فمن دون القوة يستخف الغرب بروسيا، ويصعب ان يرتدع عن حشرها واضعافها.

والمشهد ناطق: حرب باردة جديدة، ولكن من دون ضوابط الحرب الباردة الأولى عندما كان على رأس السلطة في واشنطن وموسكو قادة ينظرون الى الأخطار والفرص بعقل بارد. ولم يكن حتى في الخيال تصوّر ان يصل الى البيت الأبيض رجل أعمال نرسيسي لا يقرأ ولا يصغي مثل دونالد ترامب. ونسخة ثانية من سباق التسلح الذي قاد اليه مشروع حرب النجوم أيام الرئيس ريغان والزعيم السوفياتي غورباتشوف، ولكن في أوضاع اقتصادية صعبة في أميركا وأصعب في روسيا.

 

ذلك ان بوتين ردّ على انسحاب أميركا من معاهدة الحدّ من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية ونشر أنظمة الدفاع الصاروخية في بلدان أوروبية كانت ضمن المعسكر الاشتراكي واعلان الاستراتيجية النووية الجديدة بالكشف عن تطوير أسلحة حديثة لا نظير لها ولا تقهر. والمبرر هو القول: لم ينجحوا في كبح روسيا، لم يستمعوا الينا، وعليهم الآن ان يستمعوا ويضعوا في حساباتهم واقعا جديدا.

لكن الأسئلة الصعبة تواجه الجميع: الى أي حدّ يستطيع الاقتصاد الأميركي، مع انه الأول في العالم، ان يتحمّل كلفة الانفاق العسكري الواسع بعد الأزمات المالية التي ضربت أميركا والعالم والانفاق الهائل على حربي افغانستان والعراق؟ هل يستطيع الاقتصاد الروسي الذي يوازي ٤٠% من اقتصاد المانيا تحمّل كلفة الانفاق العسكري الكبير؟ والى أية درجة يمكن بوتين المواءمة بين الانفاق العسكري والوعود التي قدمها عشيّة الانتخابات الرئاسية حول تطوير البنية التحتية. ومحاربة الفقر وتحسين حياة الناس وتطوير برامج الاسكان والتعليم، وبالتالي الهرب من تجربة سباق التسلح في وضع اقتصادي صعب أيام غورباتشوف، بحيث كان الاتحاد السوفياتي هو الضحية؟