من المؤكد ان هناك كثير من العلامات المثيرة للقلق والتي تشير الى ان أعدادًا كبيرة من المشاكل المتصلة بالمديونية قد تزداد سؤًا. وبعد سنوات من الجمود السياسي وتأثيرات الحرب الدائرة في سوريا وخلافات السياسيين، لا بد من القول ان دعائم الاقتصاد الاساسية، من تحويلات العاملين في الخارج وقطاع السياحة والعقارات لم تعد على ما كانت عليه في السابق.
تبدو الحاجة الى الانقاذ ملحة اليوم، ووجب القول اننا لسنا فقط في حاجة الى حكومة جديدة انما ايضًا الى اقتصاد جديد، سيما وان معدلات النمو تراجعت مع الحرب السورية في العام ٢٠١١ من ٩ في المائة الى ٢ بالمائة. والبنية التحتية مهترئة، والكهرباء لا تزال على حالها، والشواطئ تغصّ بالنفايات ورزمة من التشريعات تنتظر الانجاز.
كل ذلك يضع البلد امام تحديات كبيرة. ومن المؤكد ان هناك الكثير من المؤشرات المثيرة للقلق، وهناك عدد كبير من المشاكل المتصلة بالمديونية قد تزداد سوءًا. والامر الذي لا يساعد البتة هو الوضع الاقتصادي العالمي والذي شهد ركودًا رغم السياسات النقدية التحفيزية وزيادة الائتمان، اذ لا يزال الاقتصاد العالمي يعاني من ضعف الطلب والبطالة. وكما نعلم، هذه السياسات منعدمة في لبنان والبنك المركزي حريص كل الحرص على حماية الليرة. واذا كان قطاع الاسكان قد لقي بعض التشجيع في فترات سابقة نرى الآن انه في حالة جمود، بعد طفرة في العقارات ليس لها اي مبرر.
هذه الامور قد تكون أقل إلحاحًا من أمراض مستعصية تفتك بالاقتصاد اللبناني وتعيق نموه وتؤخر الى حد بعيد ازدهاره وهي مرتبطة بالفساد المستشري في دوائر الدولة ومجالسها. لذلك قد تكون الحملة التي يقودها رئيس الجمورية في سبيل مكافحة الفساد هي اولوية في اولى حكومات العهد بعد الانتخابات النيابية، وعليه يبني العهد رهانه الاول والاخير سيما ان الوضع الاقتصادي في تراجع واموال سيدر يجب ان تصرف وفق قواعد واصول ومراقبة حتمية كي لا تتنهي الى مزيد من الدين دون اي فائدة، وتكون بذلك سيدر (١) هي تكملة لباريس (١) و(٢) و(٣).
ومع حملة مكافحة الفساد هذه، يمكن للبنان تحسين الاستقرار السياسي ويمكن للحكومة ان تكسب ثقة الشعب، وهذه شروط ضرورية لتحقيق العدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي على المدى الطويل. لذلك نرى ان الحكومة الجديدة تواجه مهمة صعبة للسير بالاصلاحات وتحقيق التوازن في الميزانية ووقف تفشي الفساد. مع الاشارة الى اهمية الدعم الدولي للبنان، والذي يترجم بنوع من التعهد بمواصلة الاهتمام بلبنان من قبل اوروبا والولايات المتحدة وحمايته من الافلاس. (برزت في تقرير الصندوق الدولي مؤخرًا على انها امكانية حقيقية). والموازنة التي أقرت اخيرًا وهي الاولى منذ اثني عشر عامًا جاءت لتؤكد للمستثمرين الاجانب والمانحين ان بيروت تأخذ على محمل الجد الاصلاحات الاقتصادية.
هذا الامر بات في غاية الدقة والاهمية مع دين عام فاق الـ ١٥٠ بالمائة من الناتج المحلي، أي حوالي ٨٠ مليار دولار. وكون لبنان ثالث اكثر دولة مديونة في العالم بعد اليابان واليونان، ورغم ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في الفترة ما بين ٢٠٠٧ و٢٠١٣ لم يتمكن لبنان من حفض ديونه او اعادة هيكلة اقتصاده نحو التوازن المالي.
لذلك قد تكون الخطط الاصلاحية الموعودة ستساهم في زيادة الشفافية في المالية العامة سيما مع ايجاد حلول دائمة لمشاكل البنية التحتية. فقطاع الكهرباء يكلف لبنان ٢ مليار دولار سنويًا و٣٣ مليار منذ عام ١٩٩٣. انما تبقى الرؤيا الواضحة للامور مع خلافات سياسية ومصالح فاسدة والتي غالبًا ما تؤدي الى احباط القرارات. وخير برهان على ذلك ان معظم القروض من باريس ٣ مجمدة لأن الحكومة لم تقدم اصلاحات لمحاربة الفساد وتحديث النظام الضريبي وغيرها من الوعود.
اما الحديث عن اي نمو، فهو غير وارد حاليًا في ظل الجمود الذي تعيشه الاسواق اللبنانية. وقد حذّر المانحون والمستثمرون من سوء ادارة الديون بشكل عام. هكذا نرى اننا على شفير الهاوية ويتطلب الامر مجهودا كبيرا سياسيا واقتصاديا.
ما يزيد الامور تعقيدًا الحالة العامة في المنطقة من حرب اليمن الى سوريا الى الانتفاضة الفلسطينية وغيرها من الاسباب التي لا تساعد في احياء العملية الاقتصادية. اضف الى ذلك تردد الاغنياء العرب في المجيء الى لبنان مما ابطأ الحركة السياحية بشكل عام والتي كانت تشكل جزءًا كبيرًا من الناتج.
هكذا تبدو الامور بشكل عام ويختلط السياسي فيها بالجيوسياسي والاقتصادي بما يجعل الامور تتفاقم لتصل الى هذا الحد.
اما الحلول فقد تكون عبر خطة اقتصادية شاملة تبدأ بقرار سياسي يرفع الغطاء عن الفاسدين والمفسودين. وحسب دراسة سابقة لماكينري ان معظم نمو الوظائف خلال العقد القادم ستأتي في ستة مجالات: الرعاية الصحية وخدمات الترفيه والضيافة والبناء والصناعة التحويلية والتجزئة وهي مجالات يمكن للبناني التفوق فيها اذا ما توفرت الفرص ومنحت القروض لهذه القطاعات.
والاهم في الاجندة هذه، حملة مكافحة الفساد والذي يمكن ان تحقق ترددات، وان كانت خفيفة، على المدى القصير الا انها سوف تساعد بزيادة النمو والايرادات، وخير مثال على ذلك حملة مكافحة الفساد التي اطلقها الزعيم الصيني Xi Jinping والتي حققت صدمات قوية انتشرت في جميع انحاء النظام السياسي والمجتمع الصيني.
لذلك قد يكون ترتيب البيت الداخلي امرا ضروريا في اعادة الحركة الاقتصادية، يساعده في ذلك قرار سياسي ورفع الحصانة عن الفاسدين والبدء بعملية اعادة هيكلة الاقتصاد والبنى التحتية والاستثمار. كل هذا ننتظره من الحكومة الجديدة والتي سوف تكون مهمتها بناء اقتصاد جديد.